لا أريد أن أقدم مرافعة في محاكمة ما يجري. كثيرون هم المتطوعون للمرافعة، كثرة القضاة، والشهود، وأقل قليلا من «كثرة» الضحايا. الضحايا الذين عادوا أرقاما «تكتشف»، وأرصدة تختزل، وتعويضات توهب. بدأ العام الدامي هذا، بمجزرة غزة، وأكاد أقول، بعيدا عن كارثة بغداد الدامية، الثلاثاء المنصرم هذا، والأربعاء الأسود الذي رحل، أن كارثة جدة، كانت «مسك» الختام، لسنة لم تكن، ولم نكن فيها على ما يرام. الأقاويل، تنتشر في المدينة، كما النار في حقول نفط. ثمة أجداث مطمورة بالمياه، وبيوت / قبور، لم يدخلها لا المتطوعون ولا الرسميون. وبقايا أسر/ طفولة تبحث عن مسكن للفجيعة، وأرصفة ما عادت تحمل نفسها، حتى تحمل أقدام العابرين. وكل الذي نملك: دمعتان، وحوقلة، واسترجاع، وجلسات تحقيق، تواصل «جلساتها» بينما الفاجعة لم تزل «قائمة». الأسرة التي كانت قبل العيد بيوم، ستة أفراد، وبعده، فردا واحدا تشتته الكارثة، وتفتته المصيبة، يود أن يستجمع أنفاس ما تبقى من حياة، ويعبئ ما نضب من دمع، تطارده كاميرات الإثارة الخبرية، وأصحاب صفحات الحوادث الأكثر مأساوية وغرائبية. ناقلين على الهواء حزنا، لا يمكن للفضاء استيعابه. من يعوض لهؤلاء، وبأي رصيد يمكن، مستقبلا من الحرمان. وترسانة من العناء النفسي، والغربوي. من يضمن لهؤلاء ليلا، لا يتكرر الغرق فيه بالدموع لا بالمطر. بالحزن والكآبة، لا المزن والسحابة. **** نبدو وكأننا في أزمة، أثناء تعاطينا، مع أية أزمة وكارثة، في إنقاذ أية كارثة، ونتزلزل بعد الزلزال، أكثر مما نتزلزل فيه أو في تشظيه وتهدمه. في زلزال إيطاليا الأخير، جنبا إلى جنب، مع رجال الإطفاء والإنقاذ، كان رجال علم النفس، وأطباء المجتمع، يعاينون المفجوعين، يلاعبون الأطفال، يقيمون في كل مساحة نكبت، ملعبا، ومهرجانا، ومساحات للترفيه والتوعية. بينما من خلف مكاتبهم الفارهة، يتساءل نخبويونا: من المسؤول عن هذه الكارثة؟. إن من أبرز أزمات الأزمة هذه، أزمة الجعجعة، إن على مستواها الكتابي أو القولي. ما بين الشيوخ الذين نددوا كتابيا، والشيوخ الذين زأروا قوليا. وما بين الصحافة التي أسلفت بذكرها. كل الأسباب تحضر دفعة واحدة من أجل تعزيز هذا الراهن، وفي مقدمها أننا «نتاجر» كثيرا، وأن موروث رحلة الشتاء والصيف، لم يرحل بعد. الصحافيون الذين «تطوعوا» من أجل إشهار مأساة منكوبي هذه المدينة، ونشرها أقاصيص على الملأ، لترصد في زاوية الأكثر مشاهدة، وتعقيبا، ودموعا، ومآلا، كي يكونوا أكثر مالا، أولئك عليهم، أن يفرقوا، بين حس الصحافي، وحس التاجر. بين حس المطبوع القيمي، وحس الدكان الإثاري. ولا ينفع الرثاء، بعد نشرة أخبار موحلة، ولا يفيد النواح بعد انتهاء المحنة/ الامتحان. فرقة المتشنجين التي تحسب أنها تعطي للمشهد إيقاعه الساخن، بأغنيات الحزن المسرحية، وتشهير صور المنكوبين، وتتبع آثار دمعهم، كي تكون المأساة بحجم فاجعة أكبر مما هي أصلا عليه. **** كم مرة يتوجب على المستأجر الشعبي في الحي المقصي أن يدفع من روحه، وروح ذويه، كي يدفع ثمن حقه في أن يعيش فوق أرضه، كما يعيش المواطن الآخر المساوي له في المؤهلات والمخرجات. قبل أن يتساءل، مرددا مع أبي الطيب، بيته الأكثر ابتذالا، كثرة فواجعنا:«عيد بأية حال عدت يا عيد»، فلا يجد من يجيبه، لا بما مضى، ولا بالتجديد، ولا بالتصريح، ولا بالتحقيق، سوى أن تطوع نزار قباني، لينشده: «إني أغرق أغرق أغرق». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة