تبدأ الرحلة صباحا قبل انبلاج الصبح، وزادها عربة أطفال وأكياس فارغة، يتنقلن بها بين أحياء العروس بحثا عن الخبز الحاف فيجمعنه حتى تنتهي الرحلة ساعة الغروب حيث تكون محطة الفرز في أحد أحياء شمالي جدة. وبين الهواية والحاجة تغزل نسوة أفريقيات رزقهن من حاويات القمامة بحثا عن قطع الخبز تمهيدا لبيعها على ملاك الأغنام ليقدموها وجبة شهية لأغنامهم. تقول إحداهن «تبدأ الرحلة منذ ساعات الصباح الأولى بين أكوام النفايات وحاويات القمامة ففيها كنوز مدفونة تخلفها الأسر، فما بين الأطعمة والعلب الفارغة رزق يغفل عنه الكثير». وتضيف «نعمل كمحطة فرز لنفايات السكان، نضع الخبز في مكان، والمعادن في آخر خلال ساعات عمل تتجاوز ال14 ساعة، ومن ثم نقدمها للجهات التي تسهم في رفع الدخل الخاص بنا». وللخبز الحاف حكاية إذ تستهلك الأسر ما تحتاجه من الخبز وتلقي بالباقي في صندوق الحاويات لتأتي نسوة أفريقيات يجففنه ومن ثم يقدمنه لوسيط يوصله إلى راعي غنم يقدمه بدوره إلى حلاله. تؤكد خديجة أن كثيرا من الأسر أصبحت تضع الخبز الفائض عن استخدامها على الأبواب أو في مكان مخصص من صندوق النفايات ليتسنى للباحثات عنه الاستفادة منه. وتضيف «بعض الأسر أصبحت تعلق أكياس الخبز على الأبواب والبعض الآخر تضعها على مقابض حاويات النفايات تكريما للنعمة وبدورنا نحملها إلى متعهد يشتري الكيس بعشرة ريالات ويبيعها على مربي الأغنام». وفي إحدى الساحات المخصصة للخبز الناشف تقوم عمالة أخرى بتصفية الخبز وفرز كل نوع على حدة إذ يقول أحمد عبده «أحضر إلى المكان يوميا حيث تفرز كل سيدة حصيلة يومها من الخبز». وزاد أحمد «تتم عملية الفرز كل نوع على حدة إذ يخصص أكياس ذات سعة 45 كيلو للخبز الأبيض، والأسمر إضافة للصامولي، وأحملها على ناقلتي الصغيرة حيث أخرج بها إلى حيث أماكن تربية الأغنام وأبيعها بمكسب بخس لا يتجاوز الريالين في كل كيس، إذ أن أصحاب الأغنام يفضلونها على الشعير والأعلاف لرخص ثمنها». وبعودة لصديقات النفايات فإنهن دأبن على تربية أبنائهن على المهنة إذ تدرب الأفريقيات أبناءهن منذ نعومة أظفارهم على الكدح الصباحي الذي لا يهدأ إلا مع ساعة الغسق. وأشارت إحداهن إلى أن مهنة التنقيب عن ما في داخل الحاويات عمل يمتزج بالعرق إذ أنه أفضل من التسول على أبواب المساجد وجوار الإشارات المرورية. وتضيف يمتهن الطفل العمل منذ الصغر فلكل صنعة سرها، ويجب على الطفل المرافق أن يعرف سر مهنة التنقيب داخل صندوق النفايات بحثا عن الكنز المدفون بين المخلفات. وذكرت أن الطفل يستخدم للوصول إلى بعض المناطق التي لا يمكن للكبار الوصول إليها فالطفل يستطيع أن يدخل إلى صندوق النفايات وينبش بينها بحثا عما لا تستطيع الآلة المعدنية سحبه من الحاوية. وعن الأخطار الأمنية والبيئية أكد مصدر في جوازات جدة في تصريح سابق، أن الجوازات تنفذ حملات لملاحقة هذه الفئة، سواء على الموجودات في الميادين العامة، أو على الأماكن والمناطق التي يتم إيواء النابشات فيها، وبعد القبض عليهن تؤخذ بصماتهن وخصائصهن الحيوية، للتأكد مما إذا كان بعضهن مطلوبات أمنيا، وبعدها يتم استخراج الأوراق الرسمية لهن عن طريق قنصليات بلادهن تمهيدا لتسفيرهن. من جهتها أوضحت أمانة جدة أن هناك لجانا مشكلة من جهات حكومية شتى، تنفذ جولات ميدانية عن طريق المراقبين التابعين لشركات النظافة، ويتم رصد المخالفات وتحويلها إلى الجهات المختصة، ومتابعة نابشي النفايات.