سيرا على الأقدام منذ ربع قرن، أكسب رزقي من نبش القمامة، أسير في كافة أرجاء جدة، يمينا ويسارا، أحمل هذا وذاك، من طلوع الفجر وحتى المساء، في البقعة المناسبة نجتمع ونفرز ما جمعناه. لا أمد يدي لغيري، المردود المادي قليل، ولكن ما بين ذلك أجد الكثير. هنا لا نروي قصة كفاح نابشة قمامة، بقدر ما نرصد قصة كفاح جدة مع نابشات القمامة. في غير مكان، وفي أي مكان، في أرض مجاورة لسوق الصواريخ جنوبي جدة، حولت أفريقيات الموقع لفرز ما يتمكن من التقاطه خلال مسيرة أيام وأيام، جمعن فيها كل ما يمكن جمعه من حاويات القمامة، بعضها يمكن إعادة بيعه، ومعظمها ما هي إلا بؤر تلوث ومرامي نفايات جديدة. ولأن الرحلة غالبا ما تتجاوز الثماني ساعات يوميا سيرا على الاقدام، بدءا من السادسة صباحا وحتى الثانية ظهرا، فضلن أن تكون المحطة الأخيرة لوصولهن مكانا مناسبا لأخذ قسط من الراحة، قبل الشروع في المهمة التالية في فرز المخلفات، حيث قمن ببناء عشش بدائية من الكرتون، والأخشاب، لأداء الصلاة والاحتماء من حرارة الشمس. وكما قالت إحداهن خلال جولة «عكاظ»، إنها رغم تقدم السن بها لم تركن للراحة يوما، بل ما زالت تمارس اكتساب لقمة العيش سيرا على الأقدام منذ ربع قرن. ورغم أن المردود المادي من وجهة نظرها إذا ماقورن بالجهد المبذول متواضع جدا، إلا أنها ترى أن عملها يساعدها في الحفاظ على صحتها، ويقيها شر الأمراض المزمنة كالضغط والسكر. وأبدى العاملون في سوق الصواريخ تذمرهم من نبش الحاويات، والآثار السلبية الناجمة عنها في تشويه البيئة العامة، ما انعكس على نفوس القادمين للتسوق وإحجامهم عنه شيئا فشيئا. يقول محمد أبو سعد إن جمع المخلفات يعد من أبرز الظواهر السلبية التي يعانون منها في السوق، ويشير إلى ارتفاع معدل التلوث نتيجة نبش الحاويات، بالإضافة إلى ما يواجهونه من عناء بعد استغلال الأفريقيات للأرض الواقعة أمام واجهة السوق، وتحويلها إلى مرمى جديد. ويرى عبدالمنان محمد أن هناك تجاهلا تاما لظاهرة نبش الحاويات، ويؤكد أن ذلك أعطى فرصة جيدة لاستمرارها، وهو ما جعل النابشات يحولن المساحة الفضاء المجاورة للسوق لمنطقة فرز لما يتمكن من الحصول عليه من الحاويات، ويطالب الجهات المعنية في أمانة جدة بالإسراع في مكافحة هذه الظاهرة، لافتا إلى أن أضرارها لا تقف عند المشاكل البيئية، والصحية، بل تتعدى إلى الإضرار بمصلحتهم المادية، نتيجة إحجام بعض المتسوقين بسبب المخلفات التي تحيط بسوق الصواريخ من جميع الجهات. من جهتها، أكدت أمانة جدة مواصلة التنسيق مع الأجهزة المعنية في شرطة جدة، والجوازات، لمتابعة أوضاع المخالفين، وضبط نابشي الحاويات، لإنهاء هذه الظاهرة. ودعت الأمانة ملاك «الأحواش»، والأراضي غير المسورة إلى متابعتها، والتأكد من خلوها من هذه الظاهرة، وعدم استغلالها كمواقع لجمع وتخزين المخلفات الناجمة عن نبش الحاويات، وأشارت إلى ضرورة تعاون الجميع في مكافحة هذه الظاهرة والإبلاغ عن المواقع التي تعاني منها بالاتصال على الرقم 940.