يمر عناصر القاعدة في دائرة محكمة قبل وصولهم للمرحلة الأخيرة، وتتشكل هذه الدائرة من ثلاث حلقات رئيسة هي: الإقناع بالآيديولوجيا والتجنيد للتنظيم ثم الدفع للتنفيذ. الحلقة الأولى وهي الإقناع بالآيديولوجيا مهمة يشترك فيها منظرو القاعدة مع منظري التطرف الديني، فالتطرف خطوة أولى نحو الإرهاب، وحين يكون الشخص متشبعا بخطاب ديني متطرف يصبح صيدا سهلا لمنظري القاعدة، فمهمة القاعدة معه تكمن فقط في كسر الحاجز الأخير، ليتحول من متطرف إلى إرهابي. أما الحلقة الثانية فهي التجنيد للتنظيم، وللتجنيد مواضع وأساليب، لكل موضع أسلوبه، فالتجنيد في المدارس يختلف عنه في المساجد، والتجنيد في المراكز الصيفية يختلف عنه في الدروس المغلقة في البيوت والمزارع والصحاري، والتجنيد عبر الإنترنت يختلف عن التجنيد عبر المنشورات والفتاوى ونحوها. والقاعدة تنوع من أساليبها حسب المواضع، وتسعى للسيطرة على عقل المجند الجديد عبر التهييج العاطفي واستغلال هذه اللحظات لدى المستهدف بالتجنيد أو خلقها له، ومن خلال تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية منصور التركي فقد عرفنا موضعا جديدا للتجنيد هو «مغاسل الأموات»، حيث يحضر الموت بكامل هيبته ووقاره، وبدلا من أن يكون هذا الموضع دافعا للإحسان للناس، يحوله القاعديون إلى دافع للسخط والغضب وإرادة الانتقام. الحلقة الثالثة: الدفع للتنفيذ، بعد التهيئة العقائدية والتدريب العملي والتخطيط للتنفيذ يتم حينذاك دفع هؤلاء المجندين لأعمال تخريبية وتدميرية إرهابية لم يكن المجند مستعدا من قبل لها، ولكن إدخاله في هذه الدائرة المحكمة أعلاه وإطباق حلقاتها عليه يضمن غسل دماغه وكسر مقاومته وانقياده الإمعي خلف ما يراد له أن يفعل. بعد هذه الدائرة نجد أنه كما يتهاوى الفراش في النار، فإن فراش القاعدة بعد أن أخمدت نار الفتنة في السعودية صار يفتش عنها في كل مكان، ويتساقط في نيران الفتنة في البلدان التي تشهد اضطرابات وعدم استقرار بشكل أو بآخر من اليمن لأفغانستان ومن العراق لباكستان. إن الجامع لدى القاعدة بين أماكن غسل الأدمغة هو وجود القداسة والضرورة، القداسة ليتقوا بها من نقد الناقدين ورصد رجال الأمن، والضرورة أنها أماكن لا يستغني عنها المجتمع، فالمساجد لها قداسة، والمدارس ضرورة حياتية لا غنى عنها، ومغاسل الأموات تجمع الإثنين معا، فخلف قداسة الطقوس يختبئون، وخلال ضرورات الحياة يتسللون، ثم يمارسون أبشع استغلال للاثنين معا.