انتشرت القوات الأمنية على نحو مكثف في جوبا عاصمة الجنوب صباح الاستفتاء حول مستقبل جنوب السودان، في حين صدرت مواقف عن كل من زعيمي الشمال والجنوب اللذين كشفا عما ينويانه خلال مرحلة ما بعد الانفصال الذي بدا بالنسبة إليهما حتميا. وبعد الاحتفالات الصاخبة والمسيرات الداعية إلى التصويت إلى جانب الانفصال التي اجتاحت المدينة، توقفت كل هذه المظاهر بناء على تعليمات مفوضية الاستفتاء التي منعت أي دعاية في اليوم الأخير ما قبل الاستفتاء. ولم يسجل في كامل الجنوب أي نشاط داع إلى الوحدة طيلة الفترة المخصصة للحملة الانتخابية في الجنوب. وانتشر حوالي خمسة آلاف عنصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان ومن الشرطة الجنوبية في شوارع جوبا استعدادا للحدث الكبير، وكانوا تلقوا تدريبا خاصا لحفظ الأمن انتهى مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. في السياق نفسه، صدرت مواقف من كل من الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس حكومة الجنوب السوداني سالفا كير اعتبرت بمثابة تثبيت مواقف واستشراف للمستقبل المتجه بالنسبة إليهما إلى الانفصال. عمد سالفا كير البارحة الأولى إلى توقيع 16 قانونا لها علاقة بالوضع الدستوري للجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء، وكأنه بذلك يستبق نتيجته. وتتناول هذه القوانين شؤون دمج المسرحين من الجيش الشعبي في المؤسسات المدنية، الدفاع المدني، والمؤسسات العامة، معاملة معاقي الحرب، السجون، والمواصفات والمقاييس. وبعد التوقيع قال وزير الشؤون القانونية في حكومة جنوب السودان جون لوك جوك إن هذه الخطوة تأتي ضمن ترتيبات الحكومة لمواجهة الأوضاع في فترة ما بعد الاستفتاء، مضيفا أن الجنوب، الذي ما زال يرتبط بقوانين ودستور دولة السودان الموحدة، سيحتاج إلى صياغة وسن قوانين خاصة به، إذ أن القوانين الحالية ستصبح قوانين دولة أجنبية حال اختيار الجنوبيين للانفصال، وهو ما سيخلق فراغا قانونيا نحاول ملأه بهذه القوانين. ومقابل هذه الخطوة السيادية، كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير يعلن في حديث تلفزيوني مواقف لها علاقة بما بعد الانفصال. فالجنوب بالنسبة إليه في حديثه إلى قناة تلفزيونية عربية «يعاني من مشاكل كثيرة ويفتقر إلى مقومات الدولة». كما قدم الرئيس السوداني صورة عما سيكون عليه الوضع بعد الانفصال، موضحا أن الجنوبيين المقيمين في الشمال سيعاملون كأجانب. وفند بأن «تقرير مصير السودان حق أعطي حصريا للمواطن الجنوبي. وإذا قرروا تقسيم السودان لدولتين واستحداث دولة خاصة بهم، ليس هناك من موجب لإقامتهم في الشمال»، شارحا «هم يعتبرون أن المواطن الجنوبي في الشمال مهمش، ومواطن من الدرجة الثانية، فلماذا يريدون التمتع بجنسية دولة تهمشهم؟». وتدارك البشير «أما إن أرادوا الإقامة في الشمال والتمتع بكل الحقوق، فليتوحد السودان وليس هناك منطق يجعلهم يأخذون نفس الحقوق والامتيازات في الشمال»، مشددا على أن «مسألة الجنسية المزدوجة غير واردة بالنسبة لنا». كما أكد أن الجنوبيين الذين يشكلون نحو 20 في المائة من الموظفين في الإدارات العامة وفي الجيش والقوات الأمنية سيستبدلون بآخرين من الشمال. وأعلنت الأممالمتحدة أن أكثر من 120 ألف جنوبي كانوا يعيشون في الشمال عادوا إلى الجنوب قبل موعد الاستفتاء، إلا أن مئات الآلاف الآخرين لا يزالون في الشمال وهم سيشاركون في استفتاء الجنوب إذا رغبوا في ذلك. وكان البشير، رغم المرارة التي صبغت حديثه التلفزيوني، أكد مرارا أنه مستعد للقبول بنتيجة الاستفتاء مهما كانت. ويشارك مراقبون دوليون وعرب في مراقبة هذا الاستفتاء الذي يرجح أن يشهد انقسام أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة.