يستعد نحو أربعة ملايين من سكان إقليمجنوب السودان لكتابة صفحة جديدة من تاريخهم عندما يتوجهون اليوم الأحد إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء تقرير مصير إقليمهم على خياري الوحدة أو الانفصال الذي بات راجحاً، في خطوة يعتبرونها استقلالاً ثانياً. وينهي الجنوبيون بالاستفتاء المصيري الذي يستمر أسبوعاً، مسيرة 55 عاماً من التاريخ المشترك مع الشمال غلب عليها طابع الحروب والأزمات لم يعش الجنوب فيها سلاماً واستقراراً سوى لعقد من الزمان خلال عهد الرئيس السابق جعفر نميري، بجانب السنوات الست الأخيرة منذ توقيع اتفاق السلام في 9 كانون الثاني (يناير) 2005. ويراقب الاستفتاء أكثر من 400 مراقب دولي و2100 مراقب محلي يمثلون منظمات مجتمع مدني دولية وإقليمية وسودانية، بالإضافة إلى مشاركة 18 ألف مراقب سياسي من الأحزاب السودانية. وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية الفريق أحمد إمام التهامي، أن الوزارة نشرت 33 ألف شرطي في مختلف ولايات الشمال، كما دربت نحو أربعة آلاف ضابط وجندي لتأمين الاستفتاء. وأوضح أن عدد مراكز الاقتراع في ولايات الشمال يبلغ 169 مركزاً، أكثر من سبعين مركزاً منها في ولاية الخرطوم، تليها دارفور، ثم ولاية النيل الأزرق. وذكر التهامي أن غالبية التوقعات تشير إلى أن عدد الذين سيصوتون سيكون أقل بكثير من المسجلين فعلياً، نظراً إلى أن غالبية الجنوبيين المسجلين غادروا الشمال إلى الجنوب. ويرى مراقبون أن تحديات دولة الجنوب الوليدة تكمن في وجود كثير من القضايا العالقة مع الشمال والتي ستدفع الدولتين ربما إلى النزاع، وأبرزها ترسيم الحدود الذي لم يحسم بعد. كما أن شريكي الحكم حزب «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية لتحرير السودان» لم يحققا اختراقاً في ملفات ترتيبات ما بعد الاستفتاء، المرتبطة بالجنسية والمواطنة والنفط والمياه والديون الخارجية والعملة وتقسيم الأصول، كما رحلت أزمة النزاع على منطقة أبيي إلى القضايا العالقة، وهي أزمة يخشى أن تفجر الأوضاع في أي لحظة في حال لم يتم تسويتها. وثمة غموض يحيط بالشكل القانوني لمئات الآلاف من النازحين الجنوبيين الموجودين في وسط وشمال السودان، وكذلك ما يخص الشماليين الذين استقروا في مدن الجنوب، ودفع الغموض نحو 140 ألفاً من الجنوبيين من الانتقال من الشمال إلى الجنوب منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ولا يزال أكثر من مليون آخرين ينتظرون مصيراً مجهولاً. وذكرت وكالة «فرانس برس» أن القوات الأمنية انتشرت في شكل مكثف السبت في جوبا عاصمة الجنوب عشية الاستفتاء حول مستقبل جنوب السودان، في حين كشف زعيما الشمال والجنوب عما ينويان القيام به خلال مرحلة ما بعد الانفصال الذي بدا بالنسبة اليهما حتمياً. وبعد الاحتفالات الصاخبة والمسيرات الداعية الى التصويت مع الانفصال التي أقيمت الجمعة، توقفت كل هذه المظاهر السبت بناء على تعليمات مفوضية الاستفتاء، التي منعت أي دعاية في اليوم الأخير ما قبل الاستفتاء. ولم يسجل في كامل الجنوب أي نشاط يدعو الى الوحدة طيلة الفترة المخصصة للحملة الانتخابية. وانتشر حوالى خمسة آلاف عنصر من «الجيش الشعبي لتحرير السودان» ومن الشرطة الجنوبية في شوارع جوبا، استعداداً للحدث الكبير الأحد، وهم كانوا تلقوا تدريباً خاصاً لحفظ الأمن انتهى مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وصدرت مواقف مساء الجمعة من كل من الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير، اعتُبرت بمثابة تثبيت مواقف واستشراف للمستقبل المتجه بالنسبة إليهما الى الانفصال. فقد قام سلفا كير مساء الجمعة بالتوقيع في جوبا على 16 قانوناً لها علاقة بالوضع الدستوري للجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء المقرر الاحد، وكأنه بذلك يستبق النتائج. وتتناول هذه القوانين شؤون دمج المسرَّحين من الجيش الشعبي في المؤسسات المدنية، والدفاع المدني والمؤسسات المدنية ومعاملة معوَّقي الحرب والسجون والمواصفات والمقاييس. وبعد التوقيع، قال وزير الشؤون القانونية في حكومة جنوب السودان جون لوك جوك، إن هذه الخطوة «تأتي ضمن ترتيبات الحكومة لمواجهة الأوضاع في فترة ما بعد الاستفتاء». وأضاف أن الجنوب الذي ما زال يرتبط بقوانين دولة السودان الموحدة ودستورها، سيحتاج إلى صياغة وسن قوانين خاصة به، لأن «القوانين الحالية ستصبح قوانين دولة أجنبية في حال اختيار الجنوبيين للانفصال، وهو ما سيخلق فراغاً قانونياً نحاول أن نملأه بهذه القوانين». وفي مقابل هذه الخطوة السيادية، كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير يعلن في حديث تلفزيوني مواقف لها علاقة بما بعد الانفصال، فالجنوب بالنسبة إليه في حديثه إلى قناة «الجزيرة» القطرية «يعاني من مشاكل كثيرة ويفتقر الى مقومات الدولة». كما قدم الرئيس السوداني صورة عما سيكون عليه الوضع بعد الانفصال، موضحاً أن الجنوبيين المقيمين في الشمال سيعامَلون كأجانب. وقال إن «تقرير مصير السودان حق أُعطي حصرياً للمواطن الجنوبي، واذا قرروا تقسيم السودان دولتين وقيام دولة خاصة بهم، فليس هناك من موجب لإقامتهم» في الشمال. وأضاف «هم يعتبرون أن المواطن الجنوبي في الشمال مهمش ومن الدرجة الثانية، فلماذا تريد أخذ جنسية دولة تهمشك؟». وتدارك البشير: «أما إن ارادوا الاقامة في الشمال والتمتع بكل الحقوق، فليتوحد السودان، وليس هناك منطق يجعلهم يأخذون الحقوق والامتيازات التي بالشمال نفسها»، مشدداً على أن «مسألة الجنسية المزدوجة غير واردة بالنسبة إلينا». كما أكد أن الجنوبيين الذين يشكلون نحو 20 في المئة من الموظفين في الادارات العامة وفي الجيش والقوات الأمنية سيستبدلون بآخرين من الشمال. وأعلنت الاممالمتحدة ان اكثر من 120 الف جنوبي كانوا يعيشون في الشمال عادوا الى الجنوب مع اقتراب موعد الاستفتاء، إلا أن مئات الآلاف الآخرين لا يزالون في الشمال، وهم سيشاركون في استفتاء الجنوب اذا رغبوا بذلك. وكان البشير رغم المرارة التي صبغت حديثه التلفزيوني، أكد مراراً انه مستعد للقبول بنتيجة الاستفتاء مهما كانت. ولاية الوحدة في غضون ذلك (رويترز) قال جيش جنوب السودان إن ميليشيات متمردة اشتبكت مع جيش الجنوب الجمعة وأمس السبت، مما أسفر عن سقوط ستة قتلى. وتُذكّر الهجمات بالانقسامات العميقة التي ما زالت باقية في جنوب السودان، الذي عانى أيضاً من جرائم قتل عرقية وغارات لسرقة ماشية. وقال فيليب أجوير الناطق باسم جيش جنوب السودان إن قواته نصبت مكمناً لمقاتلين موالين لزعيم الميليشيا جالواك جاي في ولاية الوحدة بالجنوب أول من أمس، وشنت الميليشيا هجوماً مضاداً صباح أمس. وقال أجوير: «جاؤوا من الشمال لتعطيل الاستفتاء. إنها لعبة معروفة. المخربون دائماً موجودون هنا. جاؤوا من الخرطوم حتماً». ويتهم زعماء الجنوب شمال السودان من حين إلى آخر بدعم ميليشيات لمحاولة إفساد الاستفتاء حول ما اذا كان الجنوب المنتج للنفط سينفصل عن الشمال. وينفى زعماء الشمال هذه الاتهامات. وذكر أجوير أن قوات جيش جنوب السودان قتلت اثنين من أتباع جاي واحتجزت 26 الجمعة ثم قتلت أربعة أمس. وكان جاي بين عدد من زعماء الميليشيات التي أعلنت تمردها بعد انتخابات نيسان (ابريل) متهمين حكومة الجنوب بالتلاعب. وفي بروكسيل (أ ف ب)، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون السبت إنها تأمل في أن ينظَّم استفتاء جنوب السودان في اجواء سلمية وان يتمكن سكان هذه المنطقة «من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية». وقالت في بيان «أتوقع استفتاء يكلل بالنجاح يتمكن خلاله سكان جنوب السودان من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية».