توفر أسعار النفط موارد مالية وفيرة ومفيدة جدا في الأجل القصير، إلا أنها عاجزة عن خلق اقتصاد حقيقي إلا من خلال تحويلها إلى ثروة اقتصادية. وبدون عملية التحويل هذه، لا يمكن التخلص من التحديات والمشكلات الاقتصادية مثل البطالة، وقصور مشاريع البنية الأساسية، وعدم كفاية خدمات التعليم والصحة والإسكان والنقل. وتتمثل الثروة الاقتصادية في القيمة الحقيقية لكل ما يتم إنتاجه في الاقتصاد السعودي من سلع وخدمات جاهزة للاستهلاك أو ما يعرف بالإنتاج القومي الإجمالي. ويتطلب تحويل الأموال إلى ثروة وجود توليفة توافقية لدور كل من القطاع الخاص والعام، يمكنها إعادة الاقتصاد إلى مساره السليم القادر على التخلص من التحديات والمشكلات، ثم تدفعه للأمام. فالقطاع العام هو الذي يحقق التدخل الحكومي الذي يوازن بين الحاجة إلى زيادة الإنفاق الحكومي وتطوير هياكل البنية الأساسية وتفعيل السياسات الاقتصادية التي تحفز الطلب الفعال، والحاجة إلى تحسين نوعية الحياة للمواطن، وتعزيز الروابط الإقليمية وتوسعة آفاقها. أما القطاع الخاص باعتباره الشريك الفعال في التنمية فهو القادر على زيادة القيمة المضافة من خلال التشغيل الجاد لعناصر الإنتاج لتنويع القاعدة الاقتصادية، لدعم وزيادة الصادرات وجذب رؤوس أموال إضافية وجديدة، واستيعاب أحدث التطورات التقنية وتطبيق ما يصلح منها لبناء بنية أساسية تقنية، وتوفير فرص عمل متنامية. ولكن يتوقف دور القطاع الخاص على مدى توفر الفرص المربحة. فالأرباح جزء مهم من مكونات الناتج القومي، وبزيادتها تزيد القيمة المضافة، وكلما استطاع رجال الأعمال زيادة أرباحهم، زاد دعمهم للاقتصاد الوطني باستثمارات أكبر وفرص عمل أكثر لينمو بحيوية أفضل، لأن الأرباح هي المحرك الأساسي للاقتصاد. ولهذا وجب إيجاد الفرص المربحة في القطاعات الاقتصادية المنتجة أي أن تكون هذه الأرباح ناجمة من نشاط إنتاجي يضيف للثروة أو الناتج الإجمالي، أي بعيدا عن المفهوم الخاطئ للأرباح مثل ما يحققه رجال المال من عمولات أو مكاسب المتاجرة في العقارات. فمن منطلق اقتصادي فإن رجال المال ليسوا رجال أعمال، وليست المكاسب المالية أرباحا ولا تدخل في الحسابات التي تدفع في الاقتصاد، بل إنها تشكل عائقا على التنمية. ولهذا لو استمرت الأرباح الكبيرة التي يحققها المواطنون في نشاط نقل ملكية الأراضي، الذي يطلق عليه بشكل خاطئ الاستثمار في العقار (فهو ليس استثمارا وليس عقارا، ولا يتمخض عنه أي إنتاج، ولا يضيف للاقتصاد شيئا (سوى إعادة توزيع ثروات)، فإن هذا المفهوم للأرباح سيبعد القطاع الخاص المحلي والأجنبي عن المساهمة في استثمارات ومشاريع تفيد الاقتصاد وتقوية وتدعمه. فرؤوس الأموال ستتجه إلى ما يحقق لها النماء بالمكاسب حتى لو لم تكن أرباحا اقتصادية فتفضل عمولات المقاولات ومكاسب المتاجرة في الأراضي ونقل الملكيات لأن العائد منها مرتفع مقارنة بالاستثمار في المصانع أو أي نشاط اقتصادي منتج. ولهذا تسمى هذه الأنشطة غير المنتجة ب «الاستثمارات العقيمة» لأنه لا ينتج عن المال المستخدم فيها ثروة، ولا تضيف للناتج والاقتصاد، ولاتخلق فرص عمل. فالهدف من الأموال يجب أن يكون تكوين ثروة دائمة لأجيال منتجة لا توريثها أموالا لا تنمو وإعطاءها منتجات جاهزة ومستوردة، أو زيادة اعتمادهم على السلع والخدمات والأعمال المستوردة بالمال.