( الأولى ) توطئة : كعادة الكاتب المتميز عندما يحمل مشعل الضوء لينير الطريق للآخرين .. يفتح كاتبنا الأستاذ / فؤاد العيسى ملف ( التجارة ) وأخلاقيات التجار ويتلمس ما ينتظره المجتمع من التجار في مجالات عديدة مستعيدا سير أولئك التجار الذين بلغ الإسلام آفاق المعمورة من خلالهم فكانوا دعاة بتمسكهم بأخلاق التاجر المسلم وأمانته وصدقة في معاملاته التجارية .. العيسى يسلط الضوء على عالم التجارة وواجب التاجر تجاه دينه أولا ومجتمعه ثانيا ليترك لك عزيزي القارئ قراءة مابين السطور وما خلف السطور لتشارك بما تود طرحه في هذا الملف التفاعلي .. مطلوب تجار!!! بقلم الإستاذ / فؤاد العيسى والمقصود بالتجار أولئك الذين يملكون الثروة النقدية ، وإدارة الممتلكات ، ويسعون إلى الربح، إلى جانب المسئولية الوطنية والأخلاقية، وبعضهم يترفع عن وصمة \" التجار \" ويتسمى برجل الأعمال لاتساع نطاق أعمالهم التجارية ، حيث تشير دلالة هذه التسمية \" التجار \" إلي محدودية النشاط والثروة. ومن هنا انتشر مصطلح \" رجال الأعمال \" في التداول تعبيرًا عن فئة كبار الأغنياء، وتمييزًا لهم عن ذوي الثروات القليلة والمتوسطة، للتجار الأوائل دور بارز في نشر الدين الإسلامي بفتح القلوب والأذهان على الحضارة الإسلامية . عندما خرجوا من الجزيرة العربية و انتشروا في أصقاع العالم يحملون في أيديهم البضائع , وفي قلوبهم تعاليم الإسلام وتشريعاته السمحة ,يحققون الأرباح الطائلة ويملؤن حساباتهم بالنقود , وتتكدس سجلاتهم عند ربهم بالأجور والحسنات ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) يتعاملون بالصدق , والأمانة , والثقة , يحبون للناس ما يحبون لأنفسهم ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة , لا يغشون , ولا يطففون الكيل , تغمر تعاملاتهم السماحة واليسر وإمهال المعسر إلى ميسرة , ويرفضون الربا ولا يتعاملون به .عندما كانت أهدافهم الإستراتيجية وطويلة الأجل معلقة بما عند الله تعالى ومآل التجارة عندهم مقعد صدق عند مليك مقتدر وما التجارة والأموال إلا وسيلة لمرضاة الرب تلك هي الحضارة التي صنعت الخير للبشرية. . تأمل حال المجتمع المولع بالدنيا وبهارجها المتناسي للآخرة وأهوالها , همه جمع المال والتمتع به بأي شكل !! أكل الربا ! والمتاجرة بالمحرمات , والتعامل بالغش والكذب ! حينها ترفع البركة من التجارة !, وتفقد الثقة بين الناس , وتقل الأمانة ويتفشى النصب والاحتيال وسرقة الأموال وابتزاز المدين . وإذا كان الشعور بالمسؤولية الاجتماعية مطلوب من جميع فئات المجتمع فهو متحتم على التجار بالدرجة الأولى !! بيدهم القدرات النقدية والقدرات الاقتصادية والقدرات الفكرية والثقافية , التجار هم الذين يختارون لنا ما نأكل وما نشرب وما نلبس وما نركب وكيف نسكن وطريقة معيشتنا , هم الذين يضعون لنا نمط الحياة !! في المجال الصناعي لهم دور بارز في نهضة الأمة وتقدمها باستثمار أموالهم في الصناعة الحقيقية ! ولكن تجارنا الكرماء يستثقلونها لأنها تتطلب الاستثمار طويل الأجل والصبر على العوائد لبناء البنية التحتية للتصنيع , وبلادنا بحاجة لتوسيع القطاع الصناعي بحيث يشمل المنتجات الأساسية للصناعة والمنتجات الصناعية الاستثمارية المتطورة طائرات قطارات سيارات بواخر وبارجات والمنتجات الالكترونية الدقيقة , المراكب الآمنة ذات المواصفات السليمة . وضمان سلامتها واستخدام القطع الأصلية وتوفير صيانتها ومنع كل ما يضر بمستخدمها , مثل القطع الغيار المقلدة ذات المواصفات الرديئة . وإذا كنا لا نملك الأيدي العاملة الرخيصة فلا بأس من إنشاء المصانع في الدول الإسلامية ذات الكثافة السكانية والعمالة الرخيصة . بيد أننا لا نستنكر الاستثمار في التجارة البسيطة نقل المصنوعات ( الاستيراد والتصدير ) والمتاجرة في الكماليات لتحقيق الأرباح السريعة و الدخول في مجال الصناعة المنتجات الاستهلاكية ولكن لابد من مشاركة فعالة في المجال الصناعي الحقيقي فهي أمانة برقاب أصحاب رؤوس الأموال فبها تعلو الشعوب . في المجال التجاري أمانة في رقاب التجار توفير السلع والمنتجات الغذائية مأكولات ومشروبات خالية من الأضرار وجالبة للمنفعة الصحية وإخضاع جميع منتجاتهم المحلية والمستوردة لمختبرات متطورة للفحص و منع المنتجات التي تحتوي على مواد محظورة لا تصلح للاستخدام الآدمي . انتم مطالبون بتوفير الملابس المناسبة لجميع فئات المجتمع وبالأخص الملابس النسائية , تلك الأزمة التي أشعلها الإعلام بانتشار القطع المشوهة ذات المواصفات المعيبة تعاني منها النساء فان سلمت من التعري لم تسلم من الكلمات والألفاظ البذيئة , فلا تكاد المرأة تحصل على ما تريد في أسواقنا . بسبب انتماء تلك الملابس لشعارات وأفكار أندية ومنظمات مشبوهة أو لا أخلاقية أين التاجر الذي يرفض استيراد الملابس المخالفة لديننا وعاداتنا وتقاليدنا؟؟!! تجارنا مطالبون بانتقاء ما استجد من منتجات عالمية وتبين فائدتها ونقله إلى بلادنا انطلاقا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( حب لأخيك ما تحب لنفسك ) وقوله ( من غشنا فليس منا ) . في المجال السياحي بلادنا تزخر بالمواقع السياحية الجاذبة الفريدة , وأفئدة الشعوب في العالم تهفو إليها وتتطلع لزيارتها , لما تتمتع به هذه البلاد من مزايا وخصوصيات غير موجودة في بلاد العالم على الإطلاق , غرس المولى تبارك وتعالى فطرة حب هذه البلاد في قلوب العباد , وشعوب العالم تتوقع من أهل هذه البلاد إبراز معالم الإسلام وإظهار شعائره الإسلامية , واحترام الأماكن المقدسة , وإزالة كل مظاهر المعارضة والمناقضة ومن كياسة رجال الأعمال إعطاء الأولوية للبنية التحتية لصناعة السياحة مثل بناء الطرق والمنتجعات , والمتاحف , ودور العروض الثقافية , والخدمات العامة ذات المواصفات العالمية , في المواقع الأثرية والطرق الموصلة إليها , و على التجار تفعيل السياحة العائلية النظيفة وعدم مسايرة البلاد الأخرى في تحويل السياحة إلى صياعة وضياع متاع , والاستجابة لمشورات المنظمات الدولية المشبوهة , بالتركيز على السطحيات , والسفا سف , والقشور التي لا تبرز الجانب الحضاري لبلادنا , ولا تضيف جديدا إلى العالم السياحي , مثل الحفلات الغنائية وعروض السينما والمبالغة في الإنفاق على الألعاب الرياضية والمهرجانات , فمن الملاحظ أن القطاع السياحي في بلادنا مصروفاته تفوق بكثير عائداته !! على عكس المتوقع من الاستثمار في القطاع السياحي !! فالتنمية الاقتصادية مطلب مجتمعي ولكنها ليست كل ما نطمح إليه !, وليست قمة الآمال !, وإذا كان القطاع السياحي يفتح مجالات عمل للأفراد و حقق ارتفاعا في الناتج القومي بطرق وأساليب مرفوضة دينيا و اجتماعيا! فلا مرحبا به!! ولا نريد كسب دنيانا بخسارة ديننا , فالمحافظة على تعاليمنا الشرعية وإظهار الجانب المشرق من بلادنا والصورة الناصعة لشعبنا في قمة أولوياتنا . في المجال الاجتماعي يتطلع المجتمع إلى مشاركة التجار في التنمية الاجتماعية و ليس فقط إنتاج السلع والخدمات وتوفير فرص العمل، أما شكل المشاركة الاجتماعية المطلوبة ، فتتغير بحسب الأوضاع الاجتماعية السائدة في البلد . فقد أشار البنك الدولي - مثلا- إلى أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال العمل مع موظفيهم، وعائلاتهم، والمجتمع المحلي، والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة، ويخدم التنمية في آن واحد ) . كما عرفت الغرفة التجارية العالمية المسئولية الاجتماعية على أنها جميع المحاولات التي تساهم في تطوع الشركات لتحقيق تنمية بسبب اعتبارات أخلاقية واجتماعية ) . وعليه فإن المسئولية الاجتماعية تتطلب المبادرات الذاتية الحسنة من التجار في بلادنا , من خلال الثقافة والاقتناع الشخصي واحتساب الأجر من الله .بلادنا ولله الحمد تزخر بالتجار المخلصين الذين ينشئون الجمعيات الخيرية وينفقون على المشروعات الاجتماعية بشكل فردي وغالبا ما تكون المشروعات داخل المدينة التي ولد فيها التاجر أو التي يعيش فيها.وفي مجال شبه موحد بناء مساجد !!- على سبيل المثال - لا شك أن بناء المساجد مطلوب ولكن المجتمع بحاجة أيضا لمستشفيات ومدارس ودور للأيتام ودور للعجزة ومشاريع مختلفة ومتنوعة للمعاقين ولذوي الاحتياجات الخاصة , و بتنفيذ مشروعات مهمة مثل توصيل مياه الشرب والصرف الصحي للمناطق النائية و بناء المدارس والمصحات فيها ، ونحن هنا لا نرفع مسئولية الحكومة عن توفير الخدمات ونحمل مسئوليتها رجال الأعمال , ولكن نطالب التجار بالمشاركة بأموالهم التي جمعوها من مجهودات الشعب في التنمية الاجتماعية بإنشاء الجمعيات الخيرية المنظمة لكسب احترام المجتمع وثقته ، وبالتالي ضمان نجاح التجارة و القبول من أفراد المجتمع . بحيث يكون العطاء لتنمية المجتمع جزءًا لا يتجزأ من نشاطات رجال الأعمال وتصبح أمرًا اجتماعيا ضروريا . وفي المجال الأمني : المال الذي بيد التجار عصب الحياة وليس من الحكمة تركه في يد السفيه , ومن الملاحظ أن كثيرا من المشكلات الأمنية نشأت بسبب توفر المال الفائض في أيدي السفهاء !! فمنهم من وقع في جرائم غسيل الأموال , ومنهم من استخدم أمواله في ترويج الخمور والمخدرات , والإضرار بالمجتمع وهدم كيان الشباب , ومنهم من سلط أمواله لتسريب الأفكار الهدامة وتمرير أهداف التغريب , وإشغال الشباب عن التحصيل العلمي والتفوق في دينهم ودنياهم بالمجون والطرب, ومنهم من تسربت أمواله إلى الفئة الضالة , وكل ذلك ليس من الأمانة التجارية فمصطلح \" رجال الأعمال \" يطلق على من يمارس الأعمال التجارية النافعة و المفيدة للمجتمع وفق قانون المجتمع ! أما من يستخدم أمواله بالإضرار بأفراد المجتمع فهذا من \" الفجار \" وليس من \" التجار \" من \" مجرمي الأعمال\" وليس من \" رجال الأعمال\" !