تابعنا الجمعة قبل الماضية البرنامج التلفزيوني الحواري المثير، والذي يقدمه عبر قناة العربية تركي الدخيل، وكان اللقاء مع الشاعر عبدالرحمن عادل الشمري. الملفت أن هذه الحلقة خرجت عن نطاق الشعر في الغالب مع أن الضيف كان شاعرا، وإن كانت تسير في مساره، حيث إن الشاعر انطلق بها من الشعر ليتحدث عن جوانب معرفية مهمة تشغل الرأي العام المعاصر هذه الأيام، بالإضافة إلى اشتمالها على بعض الإضاءات الفكرية الجانبية التي لم تكن محاور رئيسة، لكنها كانت تصب في هذا الاتجاه، وهي ضخ المحاور والعمل على تقويتها.. كان اللقاء يتناول عدة محاور: المحور الأول: تحدث فيه الشاعر عن رسالة الشعر ودور الشاعر في الحياة والمجتمع، وأن الشاعر المتميز هو ذلك الإنسان اللا منكفئ على ذاته، واللا منتمي أي المثقف المستقل بذاته وفكره عن التيارات الأخرى الهاضم لهموم وطنه ومواطنيه وقضاياه القومية والإسلامية، وقدم في هذه الحلقة عدة نصوص لم تكن في منأى عن هذا التناول الحامل لهذا التوجه الفكري. المحور الثاني: وهو محور الإعلام المغشوش، وركز فيه الشاعر الضيف على ما يعرف بالإعلام الشعبي ذي الصلة بالشعر الشعبي في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية وبوادي سورية والعراق والأردن، إذ إن هذا الإعلام لا يقدم إلا السيئ ولا يحرص على تقديم المتميز، وهذا ما صرح به الشاعر وأعلنه من أنه كان يريد أي فرصة للظهور، غير أن التحزب الموجود كان يحول بينه وبين الظهور والانتشار إلى أن جاء برنامج شاعر المليون وقدمه للجمهور، ومن ثم تسابق الإعلام على الالتقاء به فيما بعد. المحور الثالث: وهو محور الأدلجة الدينية، والذي عبر من خلاله الضيف عن رفضه لأنماط التفكير الثابتة، ومنهجية الخطاب الديني في التعامل مع الآخر، المبنية على الرفض والنظر للآخرين بعين الشك والريبة، والعمل على تأزيم الشارع المحلي والعربي وعزله عن المحيط الإنساني للسيطرة عليه، وقد صرح الشاعر بأن له لقاءات وصداقات مع أشخاص غير مسلمين وأنه ينظر للإنسان باعتبار أنه إنسان بالدرجة الأولى بعيدا عن بوابة الدين والمذهب. كانت هذه أهم المحاور، ولعلها هي المحاور التي ارتكز عليها اللقاء، غير أن اللقاء لم يخل من التطرق لبعض الإضاءات التي كانت تصب في صالح المحاور الرئيسة الثلاثة. 1 تحدث الشاعر عن نوعين من الجمهور، هما الجمهور السطحي والجمهور النخبوي، حيث ذكر بأن الجمهور السطحي يشكل جماهيرية الشاعر، بينما الجمهور النخبوي المثقف هو الذي يطمع الشاعر بالوصول إليه والتحاور معه. 2 بين الشاعر أنه ليس مع المدح وليس ضده، وذلك حينما تناول مسألة مفصلية في هذا الجانب، فهو يرفض الجانب المتسول في المديح، والمعروف ب «دوار جزا» أي الباحث عن الأعطيات من خلال شعره، بينما يقر ويشجع الجانب الآخر من المدح، وهو «رداد ثنا» أي يكافئ الممدوح ويرد على كرمه عليه من خلال شعره كونه شاعرا لا يملك إلا البيان والفصاحة الشعرية. 3 الشاعر لم يركز على القبيلة في برنامج شاعر المليون، ولم يطلب منها التصويت في شعره والوقوف معه، غير أنه أعطاها ما يراه مناسبا ويدغدغ مشاعر أبنائها، من خلال قوله «والشمري راعي العقال المميل»، وذلك أنه تعامل مع موضوع القبيلة بحساسية وحذر. 4 حرص في أمسيات الأعراس التي تقام في محافظة حفر الباطن الواقعة في الشمال الشرقي من المملكة مع عدد من الشعراء على النأي بأنفسهم عن الغزل والتركيز على قضايا الفقر والجوع والوطن والمسائل التي تهم الأمة. 5 لم يحرص الشاعر عبدالرحمن الشمري على تقديم نفسه كشاعر شعبي، بل قال قصيدة عربية فصيحة، وذلك لإيمانه بأن الشعر العربي الفصيح هو الذي يمثل هوية الأمة مع تلميحاته بأن الشعر الشعبي رافد من روافد هذه الهوية.