لم يعصف بي الحنين إلى ثول، إلى الأرض التي شكلت مساحة كبيرة من ذاكرتي وعاطفتي وحياتي؛ مثلما يعصف هذه الأيام، حين يهل المطر وتسيل الأرض، وأشعر بالرعب من الأنفاق والمستنقعات، بينما كنا هناك في الأرض البكر نستدني الغيم، ونعانق الغيث، ونركض صوب الأودية، نطارد مسارب المياه، ونغسل أرواحنا وأجسادنا بالماء البكر، والطين الكريم. هناك، المطر يعني الربيع، يعني حرث الأرض والركض جماعات وفرادى نحو سيلته وأم سدرة والوادي، حيث الزراعات البدائية، ميلاد تلاقح الأرض بالإنسان. هناك ربما لم نكن نزرع سوى الدخن والحبحب، ولكن كانت البذور منا.. فنحن الذين ننمو ونتطاول ونعانق السماء ابتهاجا بهذه الأرض، التي عاش ومات أجدادنا وآباؤنا على ثراها. هناك في ثول التي كنت أعرف، كان السيل بشارة الحياة وميلاد الاخضرار والعمر الجديد. أما هنا.. فلم يعد المطر سوى لحظة قصف، وموعد سريع مع الخطر. ولذلك كلما عصف بي الحنين تذكرت وجوه أهلي، وملامح طفولتي ومراهقتي وصباي، وتمنيت أن أعود إلى هناك وأن يعود الزمن إلى تلك السنوات، حين كنت أنا .. أنا، وكانت ثول مرتعا كبيرا لأخطائي الفادحة وأحلامي المتهورة.. وجنوني الذي لا تحده الأوراق ولا الكتب. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 167 مسافة ثم الرسالة