اللحظات العصيبة التي تمر بالإنسان، لا يخفف من وطأتها سوى المشاركة الصادقة. ربما لا يعلم الآن الشهيد ناصر حازم الشريف الذي قضى غرقا هو وثلاثة من أولاده، في سيل دهمهم الخميس الماضي في شرائع مكةالمكرمة، أن جبل خير سيتحرك نحو منزله، الذي ترك فيه زوجتين و 14 فردا، ليثبت أركانه، وهو الذي قال لزوجتيه صبيحة وفاته «سأورث لكم الحصى» («عكاظ» 27/1/1432ه). بالأمس مد الحنو كفه نحو أسرة الشريف، إذ أهدى صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء مبلغ 500 ألف ريال لأسرة الشهيد ناصر حازم الشريف و 200 ألف ريال لكل من أبنائه. وأكد مدير عام مكتب الأمير عبدالعزيز بن فهد، خالد بن ناصر العساف، أن هذه المساهمة ما هي إلا مشاركة يسيرة من الأمير في تخفيف المصاب الجلل للأسرة الكريمة التي فقدت أربعة من أفرادها. مشيرا إلى أن عبد العزيز بن فهد لا يرى ذلك إلا أقل الواجب الذي يمليه الدين الحنيف. نم هانئا الآن يا ناصر الشريف فلم تورث لأسرتك الحصى، نم هانئا يا من حرست المحكمة العامة في مكة، نم هانئا يا من استفقت يوم إجازتك الأسبوعية على أصوات الرعد، فجمعت أبناءك ال17 على مائدة الإفطار. الخميس الماضي كان ناصر برفقة أبنائه هاشم، رائد، ووسيم، في الطريق إلى تلبية حاجات الأسرة فكان سيل وادي البجيدي على مقربة من جسر سمحة في شرائع النخل العليا، حيث يقطن الشريف، قاوم الرجل السيل أربع ساعات محاولا إنقاذ أطفاله الثلاثة الذين جرفتهم السيول مع سيارته التي كانوا يستقلونها، لكنه لم ينجح في إنقاذهم أو إنقاذ نفسه، ليقضي نحبه لاحقا بأطفاله. يقول شقيق الشهيد: «طلبنا النجدة من الدفاع المدني، وبدأت عمليات البحث بعد أن هدأت الأمطار، عثروا على جثة هاشم، الطالب في الصف الأول الابتدائي، وعلى بعد أمتار منها ووسط المياه كانت جثة وسيم، الطالب في الصف الثالث الابتدائي، أما جثة الطفل رائد، الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي، فعثر عليها على مسافة عدة كيلو مترات، ولم يتم العثور على جثة والدهم إلا بعد أربع ساعات على مسافة أربعة كيلو مترات من موقع السيارة التي ظلت على مقربة من جسر سمحة». («عكاظ» 26/1/1432ه). وروت والدة الشهيد ناصر تفاصيل اللحظة الأخيرة قبل رحيله «ذلك اليوم أخذني وبعضا من أبنائه إلى بيتي وقرر النوم عندي وعند الصباح جهز الإفطار لي وجلس بقربي يؤانسني». زوجات الشهيد ذكرن الوجه الآخر لناصر، والغائب عن أذهان الناس في منزله، فأم وليد الزوجة الأولى ذكرت بأن لديها أربعة أولاد وست بنات أكبرهن نوف، كان الشهيد ينوي الذهاب بها للأحوال المدنية لاستخراج بطاقتها لدخول الجامعة. تقول أم وليد «قبل وفاة ناصر بأسابيع أوصى أبناءه بتسديد ديونه سواء القروض البنكية أو ما يتعلق بشركة الكهرباء حتى لا تفصل عنهم الخدمة وللبقالة التي يجلب منها المواد الغذائية». وذكرت زوجته الثانية أم رائد أن زوجها وقبل وفاته أوصاها بالاهتمام بأبنائه والرفق بوالدته.