استفاق وكيل رقيب ناصر حازم الشريف (38 عاما) صباح أمس في يوم إجازته الأسبوعية على أصوات الرعد، فجمع أبناءه ال17 على مائدة الإفطار عند العاشرة صباحا، ثم خرج قبل الظهر لشراء وجبة الغداء لأسرته، وعند الباب داعب زوجتيه بعبارة «إذا مت فورثي لكم حصى» يقصد أنه لا يملك من الدنيا غير الفتات ولم يكن يدرك أنه بتلك الكلمات كان ينعى نفسه وثلاثة من أبنائه خرجوا معه، ولم يكن يفصلهم عن الموت غير دقائق معدودة. غادر حارس أمن المحكمة الكبرى في مكةالمكرمة برفقة أطفاله الثلاثة في مشوار طعام الغداء، ليجد نفسه فجأة وسط سيل وادي البجيدي على مقربة من جسر سمحة في شرائع النخل العليا حيث يقطن، ودخل في صراع مع السيل أربع ساعات محاولا إنقاذ أطفاله الثلاثة الذين جرفتهم السيول مع سيارته التي كانوا يستقلونها، لكنه لم ينجح في إنقاذهم أو إنقاذ نفسه، ليقضي نحبه لاحقا بأطفاله الذين قضوا أيضا في السيل. وخيمت موجة حزن على أسرة الشريف الكبيرة المكونة من 17 طفلا وزوجتين، وعم الحزن أيضا قريته، فيما أحالت فرق إنقاذ الدفاع المدني جثث المتوفين إلى مستشفى الملك فيصل في الششة، تمهيدا لاستكمال إجراءات مواراتها الثرى فجر اليوم في مقبرة الشرائع. غازي الشريف (شقيق الفقيد) روى ل«عكاظ» قصة الرحيل الحزينة، تحدث من داخل منزل الفقيد بعبارات تخنقها العبرات «قدر الله وما شاء فعل، استيقظنا على ظلمة السحب التي غطت كل الأرجاء، كنا نقرأ الخطر في كبد السماء، لكن أخي ناصر قرر الخروج لشراء طعام الغداء واصطحب معه أطفاله هاشم، وسيم، ورائد، وهم من اعتاد في كل خروج له من المنزل على اصطحابهم معه لتعلقهم الشديد به، فودع بقية أسرته الكبيرة بعبارات غريبة وهو يمازحهم، ولم يكن يدرك أنه الوداع الأخير، وبعد ساعة من خروجه ازداد المطر وبدأ الوادي في الجريان، وفجأة وإذا بالمياه تتقاذف سيارته وهم بداخلها يصرخون، كان المنظر مؤثرا جدا». وأضاف غازي بعد أن توقف دقيقة يبتلع دموعه «حاولنا إنقاذه، لكن قوة السيل الجارفة حالت دون ذلك، وشاهدناه أنا وبقية أولاده وهو يتمسك بالأطفال الثلاثة ويصارع المياه لإنقاذهم، ثم أفلت اثنان منهم من بين يديه، وغابا في المياه، وهنا كان صوت الاستغاثة يعلو لكن لا منقذ، عجزنا رغم كل المحاولات، وظل هو يحاول الخروج من السيارة دون جدوى، إلى أن غابت سيارته في لجة الماء ولم يعد لهم جميعا أثر». يلتقط الأخ المكلوم الأنفاس ويواصل رواية المأساة «طلبنا النجدة من الدفاع المدني، وبدأت عمليات البحث بعد أن هدأت الأمطار، وعثروا على جثة هاشم الطالب في الصف الأول الابتدائي، وعلى بعد أمتار منها ووسط المياه كانت جثة وسيم الطالب في الصف الثالث الابتدائي، أما جثة الطفل رائد الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي، فعثر عليها على مسافة عدة كيلومترات، ولم يتم العثور على جثة والدهم إلا بعد أربع ساعات على مسافة أربعة كيلومترات من موقع السيارة التي ظلت على مقربة من جسر سمحة».