عند الوهلة الأولى لدخولك المعرض الشخصي الخامس للفنان فائز أبو هريس سينتابك شعور أنك أمام قطع من اللوحات السيريالية التي تبحث عن الأحلام الغامضة في عالم مرئي، ولكن عند تأملك الأعمال تجد الحقيقة التي اختارها أبو هريس عنوانا لمعرضه الذي أطلقه البارحة الأولى طارق عاشور في بيت التشكيليين في جدة. المعرض الذي حوى نحو 50 عملا تشكيليا معبرة عن الحقيقة التي كشفت بعد سقوط الصورة وانكسار البرواز. الصورة التي رسمها الفنان في مخيلته عن الحاضر والمستقبل لم تكن إلا مجرد أحلام واهية اصطدمت بواقع مرير جسدها الفنان في معرضه، فتارة تجده يرمز لسيل الأربعاء الذي سجله التاريخ كأكبر كارثة بيئية مرت على المملكة منذ زمن، ومرورا بتلك المنغصات اليومية التي نجدها في طرقاتنا ذهابا وإيابا بعيدا عن الرقيب والحسيب، ناهيك عن تيهان الشباب وبعدهم عن قضايا أمتهم فنسوا أو تناسوا القدس واهتموا بمالا يغذي العقل والفكر، انجرفوا نحو تيارات فكرية قادتهم إلى أن نسجل في صفحات الإرهاب بتوقيع من شباب أمة من المفترض أن يكونوا درعا لشعوبهم العربية والإسلامية. إنه معرض تشكيلي من نوع مختلف دخل في كثير من التفاصيل التي لم يتطرقها فنان قبل، خاض في إشكالية الزمان والمكان بولني الأبيض والأسود، وكأنه يقول إن الحياة إما أمل أو سواد، نجده يرمز في كثير من لوحاته بتلك البقع السوداء التي تمثل امتهانا للإنسان أو عدم احترام لإنسانيته، هذا ما يخص الجانب المعنوي الذي قصده الفنان في مجمل لوحاته. أما النواحي الفنية في أعمال أبو هريس فاستطاع أن يخرج من تلك الألوان المسيطرة على الذهن والفكر بلوني الأبيض والأسود بمستويات مختلفة وبرموز فنية ونقوش جسدت الشكل والمضمون والأماكن البسيطة مخالفا لنظرية التضاد اللوني بأن أثبت في أعماله ألا تضاد لوني بين الأبيض والأسود في احترافية تقودنا للتأمل والتفكير لإعادة النظر في مفهوم التضاد والتجانس اللوني، فركز على الجمال المنطقي من وجهة نظره كفنان، مستحدثا تلك العناصر بخاصيته الزخرفية المستوحاة من التراث الشعبي الأصيل، ولنخلص في نهاية جولتنا على المعرض أنها لوحات تجريدية تحدى بها الفنان نفسه وتعامل مع رؤية جديدة للتجريد تحسب له.