هدأت وطأة الكارثة .. والدهشة تقاوم للبقاء في مخيلات من شهدوا الحدث، لتنمو على أنقاضها روايات الحزن والألم على ألسنة المصابين المفجوعين من هول ماحدث في جدة. وهاهو يحيى الزهراني يتذكر برعب أهوال الفاجعة بالقول: «لم يفارقني الرعب منذ اللحظة التي كنت أعبر فيها طريق الحرمين باتجاه الشمال الأربعاء الماضي». ويتابع: رأيت المياه تزحف على طريق الحرمين، وقلت في نفسي سأتمكن من مغادرة الموقع قبل أن يحدث شيء، لكن ما إن انتصفت الطريق حتى بدأت المياه تندفع باتجاه السيارات المتوقفة على الطريق. ويزيد: رأيت العديد من السائقين يترجلون من سياراتهم ويولون هاربين من قوة المياه وأغلقت نوافذ السيارة وأقفلتها وهربت مع الهاربين، لكنني سمعت أحد الأشخاص داخل مركبته يطلب إنقاذه وأسرته، ورأيت عددا من المواطنين والمقيمين يتحركون لمساعدة الأسرة، وفجأة غمرتهم المياه وذهبوا في لمح البصر، ووقفت متأملا عجزي عن الإكمال، إذ رأيت السيل يتقدم نحوي فعدت هاربا إلى الشمال. ويواصل يحيى: ركضت باتجاه الشمال حتى وصلت إلى منطقة مرتفعة، وتوقفت فيها ووجدت السيارات كأنها ألعاب أطفال والغرقى يحاولون التعلق بقشة، مؤكدا «إنها لحظات مرعبة للغاية ولا تزال تخيم على رأسي كل يوم، ما دعاني أحزم حقائبي للسفر إلى المنطقة الجنوبية، إذ أريد أن أنسى كل شيء. ويروي ل «عكاظ» علي العبسي مشاهدته لأفراد أسرة يحيى قيراط (إمام مسجد)، الذين قتلهم السيل أمام عينيه بالقول: استقل الشيخ يحيى سيارته يوم الأربعاء الدامي قاصدا المشاعر المقدسة مع زوجته (داعية)، وأبنائهما ضحى (17 عاما)، عبد الله (ثمانية أعوام)، أحمد (12 عاما)، وطفلة رضيعة (شهران)، بالإضافة إلى عاملة المنزل، وخلال عبورهم الطريق السريع داهمهم السيل. ويضيف العبسي: وجدنا جثة الأب وهو يضم بين يديه رضيعته وكأنه يحميها من السيل الجارف وولده عبد الله، فيما لم نعثر على أحمد إلى الآن، ووجدت زوجته في منطقة كيلو 2 جنوبجدة في منطقة تبعد كثيرا عن موقع غرق سيارة الأسرة، أما ضحى فعثر على جثتها أمام جسر الخشب عند مفرق حي الروابي ويبعد عن موقع الغرق مسافة تزيد عن خمسة كيلو مترات.