رحيل «شوكت» أصغر ضحايا سيول بحرة بدا واضحا في عيون سكان الحارة ورفاقه في المدرسة، سيمضى طلاب المدرسة الباكستانية وقتا طويلا قبل أن تنسى ذاكرتهم زميلهم الذي اختطفته السيول الداهمة فجر الأربعاء الماضي في أحد شوارع ضاحية بحرة. الراحل في الثانية عشرة من عمره، يدرس في الصف الخامس الابتدائي، خرج مع والده إلى الشارع ليستمتع بالأجواء الممطرة والمناخ الربيعي الجاذب غير أن رحلته انتهت برحيل مفجع وحزين يظل مثل الغصة في حلق والده المكلوم وأمه الملتاعة وأشقائه الستة. قصة رحيل شوكت يروي الأخ الأكبر تفاصيل النزهة الأخيرة لشقيقه الصغير: «في صباح ذلك اليوم امتلأت شوارع بحرة بالمياه المتدفقة، وحفز ذلك شوكت للتوسل إلى والدي للخروج في نزهة فوافق على مضض. اختار شوكت الجلوس على سقف سيارة والدي التي كانت تشق طريقها بصعوبة وسط الوحل والطين والمياه المتدفقة، وفجأة دهمهما سيل جارف ابتلع المركبة لتستقر في نهاية الأمر على جذع شجرة عملاقة، خرج والدي بسرعة يبحث عن شوكت بلا طائل، وهب المواطنون والمتطوعون للبحث وسط السيول العميقة، وعثر والدى على الجثة على بعد أمتار قليلة». «عكاظ» واست الأب المكلوم الذي كان مشغولا بإنهاء إجراءات دفن فلذة كبده في مقر القنصلية الباكستانية في جدة، وتقبل الرجل الفجيعة بإيمان واحتساب. الأسرة الباكستانية التي عاشت أكثر من أربعين عاما في المملكة، ما زالت تتلقى العزاء في فقيدها، إذ يملك الأب محلا للخياطة في بحرة، يتكسب منه في الإنفاق على عائلته. حزن في بيت الفوال الفقيد الثاني في سيول وفيضانات بحرة راح ضحية صعقة تيار حادة قضت عليه في الحال، يقول معارفه إنه من الجنسية اليمنية، يعمل بائعا للفول في أحد المطاعم القريبة، كان نائما في بيته مع نجله وتسربت المياه إلى غرفتهما وحدث تماس مفاجئ مع مصدر تيار مكشوف تسبب في حدوث صعقة أودت بحياة الأب (59 عاما) وخيم حزن عميق وسط رواد المطعم الذين عرفوا الفقيد وعاشوا معه. المشاهد في بحرة لا تختلف عن جدة، إذ كشفت شمس اليوم التالي حجم الدمار والخسائر التي خلفتها السيول، وتتكدس عشرات الناقلات العملاقة على جوانب الشوارع منذ اليوم الأول فأحال بعض سائقيها مقصوراتها إلى مقار للسكن ومواقع للطبخ والطهي. الطريق إلى حداء شائك وصعب، لا يمكن الوصول إليه إلا بشق الأنفس بعد أن جرفت الأمطار الشوارع الموصلة لها، ومع ذلك ضاعفت سلطات الدفاع المدني تواجدها الميداني في كل المواقع الخطرة. وأبلغ مديرها في بحرة المقدم محمد صالح الغامدي أن 12 فرقة إنقاذ وعشرات الآليات العملاقة والقوارب المطاطية شاركت في الإجلاء والإنقاذ والإيواء، وتم إخراج أكثر من 482 شخصا من مناطق الخطر.