يا بريد الشوق خذني لليمن في رسالة حب بلغني سلام كل أحبابي بصنعاء وعدن وأهلي في يافع ومأرب وشبام أرض حمير شامخة فوق المحن ما تكن إلا بتحقيق السلام «حقيقة!» هذه هي مشاعر كل من زار اليمن خلال «خليجي 20» فرغم كل ما قيل ورغم الجو الماطر والإعصار الذي كنا نسمع عنه، إلا أنني كنت متأكدا مسبقا أن «خليجي 20» سيكون مأطرا بالأمان.. ومنقوشا بالتحنان .. هكذا كان. لقد حضرت دورات خليجية متعددة، لكنها وبصراحة لم تكن ك«خليجي 20». خليجي 20 باليمن جاء بنكهة بن ريمة المطري.. وبمذاق العنب الرازقي.. وبحلاوة بنات الصحن.. ويا عيني على «بنت الصحن»، خصوصا إذا كانت الطاهية يدا صنعانية ماهرة «نااااعمة»؟ قلت في لقاء أجرته معي الزميلة أروى من قناة عدن الفضائية، أن رئيس اللجنة المنظمة العليا ل«خليجي 20» هو فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، وأن أعضاء هذه اللجنة هم الشعب اليمني وهذا هو الواقع، فالرئيس اليمني وقبل بدء البطولة بشهر تقريبا وهو في زيارات مكوكية للمنشآت الرياضية في عدن وأبين والفنادق التي تم تشييدها لهذه المناسبة، واجتماعات متتالية مع الوزراء المعنيين وزير المالية، وزير الشباب والرياضة، وزير السياحة، وزير النقل حتى تحولت عدن مع بداية «خليجي 20» إلى «عروس عشرينية تتباهى بملابسها الفضفاضة أمام محبيها». كما أن الشعب اليمني تفنن في الترحيب والضيافة بالوفود الخليجية التي تواجدت في عدن وأبين.. الكل في اليمن همه الأول والأخير نجاح «خليجي 20» سائق التاكسي، صاحب المطعم، عامل المغسلة، وصاحب البقالة. يقول لي الزميل كفاح الكعبي المحلل الرياضي في «صدى الملاعب» إنه اخذ تاكسي من مطعم حتى فندق ميركيور حيث المركز الإعلامي وأعطاه 1000 ريال يمني فأخذ السائق 500 ريال وأعاد له الباقي وقال ل«خذ هذا حقي! وهذا حقك!» بالمناسبة الريال السعودي: 55 ريالا يمنيا. ويحكي لي الزميل فواز الشريف أن هناك من يحاسب عنهم عند دخولهم لتناول طعام الغداء، حيث يتفاجأون بشخص ما وقد حاسب عنهم معلقا: أنتم ضيوفنا.. يا هلا فيكم. قلعة صيرة تعتبر قلعة صيرة هي المحطة الأخيرة في زيارتنا لمعالم عدن، حيث تعتبر هذه القلعة من أقدم المعالم الأثرية التاريخية في محافظة عدن، وهي ببساطة عبارة عن قلعة قديمة جدا توجد بها تحصينات عسكرية تعتلي جبل صيرة الأسود، والذي يطلق عليه جزيرة صيرة الواقعة في البحر قبال خليج حقات وقلعة صيرة، وتنتصب الجزيرة بجبلها وقلعتها في البحر لحماية عدن وكخط دفاع متقدم وتستمر الجزيرة من موقعها الحساس ميزة مهمة في مراقبة السفن القادمة إلى ميناء عدن والخارجة منه. وترجح إحدى الدراسات الميدانية الحديثة اعتمادا على شواهد تاريخية أن أول بناء أصلي للقلعة يرجع إلى الأمير الأيوبي «عثمان الزنجيلي التكريتي» وإلى عدن من قبل «تورن شاه الأيوبي» شقيق القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي الذي جاء إلى اليمن في سنة «560 هجرية/ 1173 ميلادية» وكلف والي عدن عثمان الزنجيلي ببناء الأسوار والحصون، وما يؤيد هذا الرأي هو التشابه في المخطط العام للقلاع وأبراجها التي أقامها الأيوبيون في مصر والشام مع قلعة حيرة. الصعود إلى القلعة تقلص عدد الراغبين في الصعود إلى قمة قلعة صيرة، فمنهم من ظل في الحافلة ومن بينهم زميلي محمود إدريس الذي اعتذر بداعي الإصابة «بالرباط الصليبي» وكأنه أحد لاعبي دوري زين السعودي، ومنهم من فضل البقاء تحت الجبل وجلس في إحدى المقاهي يحتسي الشاي العدني وكأن لسان حاله يقول «أبعد عن التعب .. وغني له». أما أنا فلم أكن بأحسن حال منهم فلقد انزويت تحت جبل صيرة انتظر صعود الوفود الإعلامية، لكي أعود إلى حافلتي ولكن الصديق الزميل عادل الحبابي مدير قناة سبأ الفضائية كان بالمرصاد، قذف بقارورة ماء صحة وقال لي: يا الله يا فريد .. ورينا شطارتك! فأخبرته بأن تسلق الجبال ليس من هواياتي المفضلة، لكنه أخذ يستفزني بعباراته الساخنة «هذا وأنت المشرف على البرامج الرياضية بإذاعة جدة»، أين الحيوية ؟ أين النشاط؟ أين؟ أين؟ فما كان مني إلا أن أطلق عنان قدمي وأسير خلف الوفود الإعلامية المتسابقة للوصول لقمة صيرة، وخلال سيري إلى القلعة سمعت من إحدى الزميلات الإعلاميات اليمنيات أن عدد الدرج الموصلة إلى قلعة صيرة يبلغ «170 درجة» فقلت يااااامعين، فقالت: كيف لو تذهب لجبال خولان؟ فهناك عدد الدرج أكثر من «500 درجة» فقلت لها: بناقص جبل!! وفي منتصف الطريق مكثت للراحة وقررت أن اكتفي بهذا الإنجاز، ولكن مطاردة الزميل عادل حبابي كانت مستمرة. كان يتقدمني كثيرا وعندما اختفي عن ناظريه كان ينزل مرة أخرى لينثر على مسامعي بعض العبارات التحفيزية، والتي بسببها تمكنت من اعتلاء قمة قلعة صيرة، وهناك مكن أحد مساعديه بإجراء لقاء على الهواء لقناة سبأ فقلت له «البركة لرئيسكم عادل .. الذي أمطرني باستفزازاته ومكني من اعتلاء قمة قلعة صيرة». وبعد الاسترخاء بعضا من الوقت في أعلى القلعة استمتعنا بالجو البارد والهواء العليل والمناظر الخلابة، حيث كانت أعيننا ترصد مدينة عدن في أحلى وأجمل حلة لها. وخلال دخولنا إلى القلعة اندهشنا من التحصينات الموجودة بها، هناك برجان يوجد بهما فتحات لرمي السهام تسمى «المزاغل»، وهناك سلم حلزوني يستخدم أثناء المعارك، وهو يربط أسفل القلعة من مياه البحر حتى أعلى القلعة، ويتميز بشكله الحلزوني الذي يدور حول فتحة دائرية يقدر قطرها بنحو متر واحد، وفي الطابق الثاني توجد قواعد مستديرة الشكل من الحجارة الضخمة ويوجد عليها قواعد حديدية بغرض تركيب المدافع النارية استخدمت بداية فترات الأتراك والإنجليز. وفي ظل محاولة الإنجليز الاستيلاء على عدن صمدت عدن وقلعتها، ولكن فارق الإمكانات العسكرية مكن الإنجليز من احتلال عدن في «19/1/1839م» فأقاموا استحكامات وتحصينات عسكرية حديثة لمواجهة منافسين، وبالذات الإيطاليين الساعين آنذاك للسيطرة على عدن. القتال .. بالكلمة .. والموسيقى الشعراء .. والفنانون .. قاتلوا هم أيضا بالكلمة والموسيقى فهذه قصيدة بعنوان «يوم 20 الأغر» من كلمات الفنان اليمني الراحل محمد سعد عبدالله ولحنها وغناها الفنان محمد مرشد ناجي تقول كلماتها: قائد الجيش البريطاني مسكين ارتبش يوم عشرين الأغر ضيع صوابه يوم جاه العلم بالهاتف إلى بيته غبش زاغ عقله والعرق بلل ثيابه شل بابوره ولما دخل الجولة احتوش ما قدر يوصل إلى خيمة صحابه كيف با يوصل وصوت المدفع الرشاش رش من جبل شمسان يصليهم عذابه صاح في قوات جيشه قال قوموا يا حوش بس ما حد منهم رد الإجابة جيشك أنت «ياتريفليان» حوش والرصاص الحمر تصر بهم صرابه أنصحك لفلف شقاديفك وعفشك والبقش روح لك لندن مع باقي العصابة المناع: مخمود إيه . . يافريد بيه؟ يقولون إن الذي يزور عدن ولم يزر صهاريج عدن لم يزر عدن. ذات مساء كنت أنا وزميلي المخرج محمود إدريس نجلس على طاولة خارج مطعم للمندي في ساحة العروض استعدادا لتناول طعام العشاء، وفجأة وإذا برجل طويل القامة بنظارة طبية ومعه أحد المرافقين دققت النظر وإذا بالدكتور عبدالله مناع فنهضت أنا وزميلي محمود سلمنا عليه، فقال إنه جاء إلى خليجي 20 بدعوة من معالي وزير الثقافة اليمني، الخلاصة تعشينا جميعا في طاولة واحدة وبعد انتهائنا اتجهنا إلى المحاسب وكانت المفاجأة حيث قال لنا المحاسب الحساب خالص، قلنا له: يا أخي أنت غلطان مين حاسب؟ فقال صاحب المطعم: السائق المرافق، أشار إلى المرافق للدكتور المناع الذي لم يعطنا فرصة لمعاتبته واكتفى بعبارة «هذا أقل واجب أعمله أنتم ضيوفنا إذا ما شالتكم الأرض تشيلكم رؤوسنا» فالتفت الدكتور المناع وقال: لي يا أخي مو معقول هذا كم راتبه حتى يحاسب عنا والله خجلونا بكرمهم وقبل أن ينصرف الدكتور المناع سألته: هل أكلت «المخمود» يا دكتور؟ ضحك المناع وقال مخمود إيه .. اللي أنت جاي تقول عليه ..؟ يافريد بيه ..؟ المخمود عندنا يعني نايم في سابع نومه فقلت له: وهذا اللحم الطري نايم في سابع نومه ومتلحف بلحاف قصديري المهم أخبرته باسم أفضل مطعم في عدن يعمل المخمود وهو عبارة عن لحم خروف صغير تربى على المرعى يقطع قطع أرباع، يعني الخروف يقسم إلى أربعة أقسام، كل قسم يسمى ربع ويبهر بالملح والفلفل الأسود ويلحف بالقصدير ويرمى على حجار تحتها جمر حتى ينضج، وفي اليوم التالي التقيت في لوبي فندق ميركيور الدكتور المناع يتصفح الصحف الصادرة في ذلك اليوم فسألته كيف المخمود يا دكتور؟ فأخرج نظارته عن عينيه وقال مبتسما «بصراحة أكلة تهبل في منتهى اللذة أكيد أنت صاحب مزاج في الأكل يا فريد، وقبل أن أجيبه بادرني بسؤال سريع «طيب تقترح فين أتعشى الليلة أبغى أكلة سمك على كيف كيفك؟» مميزات خليجي 20 * الحضور الجماهيري المميز طوال البطولة من بدايتها حتى نهايتها، فلقد تعودنا خلو المدرجات في كافة المباريات في الدورات الخليجية الماضية وذلك بمجرد خروج الفريق المضيف. * مساندة كافة المنتخبات الخليجية في هذه البطولة من قبل الجماهير اليمنية وكأنها تبث رسالة لأبناء الخليج فحواها أبناء الخليج والعراق في عيوننا. * لم تكن للمرأة اليمنية القدرة على تجاوز أسوار الملاعب الرياضية لمشاهدة مباريات كرة القدم لأسباب عدة، إلا أن منافسات خليجي 20 شهدت تحولا جذريا في هذا السياق، خاصة بعدما مهد خليجي 18 في الإمارات وخليجي 19 في سلطة عمان الطريق للمرأة الخليجية لمشاهدة منافسات الكرة في الملاعب الخليجية. فلم تتأخر النسوة اليمنيات عن تلبية دعوة اللجنة الوطنية واتحاد نساء اليمن إلى أن تدخل المرأة اليمنية الملاعب وأن تكون عنصرا مساندا داخل المدرجات، وبالفعل كانت المرأة اليمنية رقما يصعب تجاوزه في خليجي 20، وكان وجودها بشكل لافت في حفل الافتتاح والختام بشكل خاص. فلم يقتصر عملهن داخل المكاتب بل كعنصر أمني وداخل المدرجات وفي المراكز الإعلامية وسكرتارية الفنادق المختصة للوفود الخليجية. ولقد قدر عدد الحاضرات في نهائي كأس خليجي 20 بأكثر من «8000»، وهو رقم قياسي في كل بطولات الخليج. الوزير .. المتميز وأنت تجلس على إحدى طاولات مطعم أبو نواس، أحد أفضل المطاعم في ساحة العروض في عدن، لا تتفاجأ وأنت تنظر إلى الطاولة المجاورة فتجد وزير الشباب والرياضة حمود العباد، أو مدير مكتب رئاسة الجمهورية في عدن حسين المحفدي، أو وزير النفط أمير العيدروس، وقبل سفرنا بيوم التفت إلى الطاولة المجاورة وإذا بوزير السياحة اليمني نبيل الفقيه وهو شخصية محبوبة في منتهى التواضع والبساطة، أعتقد أنه ربما يكون أصغر وزير في العالم، استضفته في رسالة خليجي 20 للإذاعة أكثر من مرة، تشعر من خلال حديثه أن لديه طموحات لا حدود لها من أجل النهوض بالسياحة اليمنية، كان شعلة من النشاط في خليجي 20 في كل مناسبة رياضية أو غير رياضية تجده في المقدمة، ناهيك عن الندوات والمحاضرات التي تقام على هامش خليجي 20، بالإضافة إلى زياراته اليومية المتواصلة للفنادق التي تقيم فيها الوفود الخليجية، يتفقد الفنادق يسأل الإعلاميين عما إذا كان هناك أي تقصير في الخدمات الفندقية، يقدم ملاحظاته لإدارات الفنادق، حقا أنه شخصية تستحق كل تقدير واحترام. اقتربت إلى جانبه في مطعم أبو نواس وقلت له معالي الوزير لقد اطلعت على لقاء أجرته مجلة السياحة التي تشرفون عليها فأعجبني لقاء جميل مع «الحاجة حميدة»، وكيف استطاعت هذه المرأة اليمنية العصامية أن تتوسع في خدماتها من مطعم صغير إلى مجموعة مطاعم وفنادق تابعة لها، وكيف أصبحت من أهم المعالم التي يحرص السياح على زيارتها، خاصة السياح الأوروبيين ليتعرفوا من خلالها على كيفية نمط حياة البيت اليمني التقليدي، خاصة في الريف والتعرف على نوعية الوجبات اليمنية الشعبية، وكيفية إعدادها والملابس اليمنية ونمط بناء الفنادق والتي تم إنشاؤها وفق النمط المعماري السائد في المنطقة. وقلت له إنني كنت أرغب في قراءة بعض هذا اللقاء في البرنامج الإذاعي الخاص الذي سأقدمه بعد عودتي من خليجي 20 ولكني فضلت الاتصال بها هاتفيا وسجلت اللقاء معها بواسطة الكونترول بإذاعة جدة. هنا ابتسم معالي الوزير وقال لي: هذا عمل احترافي مميز .. يعطيكم العافية. وقبل أيام أذيعت الحلقة الخاصة من برنامج أبواب عن «خليجي 20» وكانت الحاجة حميدة وأسرتها والأكلات التي تقدمها من (فتة، سلتة، سوسي، فحسة، عصيد، شفوت، وبنات الصحن) محور نقاش بين الكثير من المستمعين. بالمناسبة لقد اتفقت مع الحاجة حميدة على أن أقوم بزيارة قادمة إلى شبام كوكبان، أزورها في مطعمها الشهير وأعلمها كيف تطبخ الكبسة السعودية، على أن تقوم بتعليمي كيف تعمل «بنت الصحن» هذه البنت المعجونة بالعسل التي سلبت عقلي في كل زيارة أقوم بها إلى اليمن السعيد. «سطور أخيرة» رأس وجباة .. مرفوعة بشموخ الجبل الممتد من قاع الأرض لأعلى السماء .. أن ينهزم الليل مرارا في عمق الذاكرة والذات أن يغدو الليل نهارا أن تنأي كل الأحزان وتسود الفرحة معلنة ترجيح الكفة في الميزان ** هكذا انسدل الستار عن خليجي 20 في اليمن. «خليجي التحدي .. خليجي الانتصار فلنبارك لليمن حكومة وشعبا هذا التميز وكل بطولة خليجية وخليجنا بخير».