كانت تفكر في حاضرها ومستقبلها، من خلال «سيناريوهات» رسمت فيها لنفسها، استمرار عملها (مقدمة برامج غير متفرغة) في إذاعة البرنامج الثاني من جدة. عانت كثيرا من المرض، ومع ذلك ظلت الرغبة تراودها في ألا تظل مشتتة، محاوِلة عدم الإفلات مما شدها إلى لاقط الصوت (المايكرفون) متشحة بغطاء الرغبة للعمل في الإذاعة، بدوافع تنبع من رغبتها، إخراج الظاهرة الإعلامية من الضبابية، واللا موضوعية، إلى دائرة البحث عن الذات، المبني على الانشغال بما هو ضروري، في يومها الإعلامي وغدها. لم تلتمس الخوف من مرضها.. رأت أنه من النوع الذي يمكن الشفاء منه، وبعقل مفعم بالأمل لجأت إلى الله، وهي تعلم أنها تواجه في كل يوم خطرا مستندة على حقيقة: أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، ويوم أن قلت لها: «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا»، أجابت: «أشكو بثي وحزني إلى الله، فأنا لم أعد أرى المستقبل إلا من خلال ما ينبغي أن يكون، وهذا لا يعلمه إلا الله». كان الصديق الأستاذ «عبد الله العمري» نائب رئيس تحرير صحيفة المدينة، أول من علمت منه سوء حالتها الصحية، وعندما يكون المرء في حالة، مليئة بجميع أنواع السلب، التي لا تمكنه من الشعور بالامتلاء، فإن أقل ما يمكن أن يقدمه، التعامل مع المريض، بوصفه سجين جدران أربعة، واقفا فيها تارة، وراكعا فيها تارة، وساجدا فيها تارة أخرى.. هذا هو الإنسان المؤمن، «إن أصابته سراء شكر، وإذا أصابته ضراء صبر». كتبت يوما مقالا عن إعلاميين سعوديين، كانوا ملء السمع والبصر، فإذا هم اليوم أسرى جدران أربعة.. أقعدهم المرض، بعد أن كانوا ملء الأسماع والأبصار، نشاطهم يكفي لإبلاغ المتلقين، بنتائج مرغوب فيها من خلال: نوع البرامج التي طرحوها، وطريقة أدائهم، ونوعية المتلقين لهم، وظروف استجابتهم. أرسلت المقال إلى «عكاظ» فإذا بمن يقول لي: «أنسيت نجوى غرباوي ؟ لقد عددت أسماء إعلاميين سعوديين، سكت المجتمع عنهم، وغيبتها وسائل إعلام إما عامدة أو لا تدري عنهم ؟».. كان المتصل بي إنسان في غاية الذوق والكياسة في صحيفة عكاظ اسمه: «سعيد آل منصور».. استدركت الأمر وأنا ألوم نفسي، كيف تحدثت عن أسماء إعلاميين أقعدهم المرض، ولم تكن بينهم «نجوى غرباوي» وهي تعيش حالة، أصبح فيها من الضروري إنقاذها مما تعرضت له، فمن المستحيل ألا يتعاطف إنسان مع حالة مرضية، جعلت المريض يتجول وحيدا في صحراء مقفرة، ليس بوسعه إلا أن يتجول فيها، حتى وهو في أحلك الظروف الصعبة، كتلك التي يهاجمه فيها المرض، وقد أضرم النار في أنحاء جسده كافة، حتى باتت كل الأشياء الجميلة في عينيه، من مخلفات الماضي، وغير بسيطة، وغير واضحة، ومن ثم فقد كان على «نجوى غرباوي» أن ترى الحقائق كما هي، وأن تعترف صراحة بأن بعض الناس خذلوها، وأن الطريق للآخرة كائن لا محالة. رحم الله «نجوى غرباوي» كانت حلما يبحث عن مجال للتحقق داخل حاضر الإعلام ومستقبله، لم تعش أوهام الماضي، وإنما الأحلام الآتية من المستقبل، هي أمس صوت غرد في الفضاء، وهي اليوم جسد تحت الثرى، وهذا هو الإنسان.. لا معنى للحياة بدون الموت. بريد إلكتروني: [email protected] فاكس: 014543856