غير آبه بالبرد القارص مع دخول الليل ثلثه الثاني.. يقلب أبو صالح عينيه في سماء صحراء أم رقيبة. يضرب بعصاه الرفيعة الأرض، يفكر، يتأمل. لم يتبق سوى 48 ساعة وتعلن النتائج، القلق عارم والمنافسة شرسة. ملاك الفئات كافة: الوضح، الحمر، الصفر، الشعل، والمجاهيم، تحولت خيامهم إلى أشبه صالات تحليلية مشابهة لاستديوهات مباريات كرة القدم بين متوقع ومؤكد. اشتعل الأسبوع الخامس من مهرجان جائزة الملك عبد العزيز لمزايين الإبل في أم رقيبة بالشائعات، والسبب بإجماع المشاركين التسريبات غير المؤكدة التي تنفذ من ثقوب الخيام همسا وعبر الاتصالات الهاتفية وخزا. المشاركون لم يمكنهم الجزم بأن التسريبات حقيقة، على الرغم من أنها تصاعدت أكثر من دخان «الضو» الذي يبث الدفء ويشعل أقداح القهوة والشاي والأفكار والهواجس حول الصدارة. يفسر الشيخ فراج بن دهمان المشارك في فئتي الوضح، والمجاهيم أسباب حمى اقتراب إعلان النتائج: «يعتبر ملاك الإبل هذا المهرجان الأهم والأكثر تقديما لإنتاجهم، إضافة إلى أنه يحمل اسم مؤسس البلاد الملك عبد العزيز، لذا يحرص مربو وتجار الإبل على المشاركة والحضور بقوة». على الأرض تحولت صحراء أم رقيبة إلى مدينة متكاملة من الإبرة إلى جل الحلاقة، ومع قرب انتهاء المنافسة عادت الخيام الضخمة إلى السبات ولم يتبق إلا قلة قليلة استعدادا للرحيل مع غروب شمس الخميس المقبل. آخر مظاهر المنافسة أمس للإبل المجاهيم التي تعتبر الأغلى بين الفئات الخمس وسط حمى منافسات ومخاوف بين ملاك الإبل، بينهم الشيخ حشر السبيعي الذي فاز في مزايين الظفرة، ويترقب المراقبون تكرار فوزه. يتحدث السبيعي عن لحظات الترقب الأخيرة: «ملاك الإبل يتنافسون في امتلاك أنفس الأنواع وأكثرها جمالا وإنتاجا ليس فرديا بل جماعات، وبالنسبة لي أعد لهذه المناسبة مبكرا ويهمني أن أحصد ما تعبت من أجله». عرض حشر 100 ناقة وجمل في مسيرة تعتبر طقسا مهما أو أشبه بزفة العرس من موقعه إلى حيث لجنة التحكيم على أنغام القصائد والعرضة، سيرا تارة ومتوقفين أخرى. ويبتهج السبيعي بدعم أقاربه وأبناء عمومته: «للإبل محبة خاصة في قلوبنا، لذا نفرح عندما نقتني أفضلها، وتتوج هذه الفرحة بمرافقتها إلى حيث نتوقع أن نقطف الجوائز». ومع حلول المساء، تتصاعد المخاوف من المراكز الأخيرة عند البعض، ما يدفعهم إلى الحرص على الانسحاب، ودعوة آخرين للتحالف معهم، وهو ما تعده قوانين المسابقة مخالفة صريحة وسط تسرب أنباء عن قرب صدور عقوبات. وهنا يعود بن دهمان، الذي يقصده ملاك الإبل للمشاورة والنصح: «العقلاء والحكماء يعرفون القيمة المعنوية للمشاركة في هذه المسابقة والقائمين عليها، لذا لا يهم مالك الإبل المركز ولكن من ينظم هذا التجمع ويحرص على استمرار هذا الموروث الذي هو من قلب واقعنا وتاريخنا ونفخر به كثيرا».