أحيانا يعد الوقوف في «المنطقة الرمادية» بين الأبيض والأسود ذكاء يحسب لصاحبه، ويكفي أن مضارب الأمثال العربية احتفت بمن يتقن مسك العصا من المنتصف، وأصبح بيت أبي سليمان الخطابي «ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم» علامة استدلال لأصحاب منهج السلامة بعيدا عن التعامل الاجتماعي مع الأحداث والقضايا بمنطق: إما صفر أو 100 بالمئة!. إلا أن النباهة في بعض الأحيان تتحول إلى «استحمار»، عندما تفرض النخب عزلة على نفسها في تناول المستجدات الاجتماعية وتزعم نزوحها إلى «المنطقة الرمادية» في مواضع لا تستلزم إلا وضوح الرأي وإعلانه، وعايشنا ذلك قريبا في الصمت المخل لبعض الدعاة والعلماء وتعاطيهم مع مسألة «الإرهاب» التي لا تنفع معها أنصاف الحلول ومنطقة «البين بين»، فضلا عن حشد البيانات المحرضة للشباب إلى التوجه لمناطق الاضطراب والفتن، مذيلة بتوقيع مزدوجي الولاء؛ النائمون على وسائدهم.. المطبلون لتغرير صغار غيرهم، ولم نشاهد واحدا منهم دفع بفلذة كبده إلى تطبيق ما أيدته بياناتهم. المجتمع في تعاطيه مع كثير من القضايا المحيطة أصبحت لديه القدرة على عملية الفرز، وإن كان عصرنا علق قلادة الرأي الحر إلا أن أرضنا وأمننا لا يقبلان مساس المتلاعبين والضاربين على وتر العاطفة من منطلق هذا رأيي، وفي المقابل لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول خيار الصمت من فئة «المنطقة الرمادية» أمام هذا العبث الفكري، مع الحيرة في انتفاضتهم أمام أي مد تنموي تشهده البلاد تحت أوهامهم المتوترة «تغريب اختلاط»، فهذه بالنسبة يا أبيض أو أسود، أما الإرهاب والتحريض فهي مواضع لا تستحق إلا الوقوف «استحمارا» في المنطقة الرمادية. ولنسبة الحق لأهله، فإن مصطلح «الاستحمار» غرد به المفكر الإيراني الراحل «علي شريعتي» في كتابه «النباهة والاستحمار» الذي شخص فيه طريقة بعض المستحمرين في خداعهم للمتلقين بقاعدتين: التجهيل وإلهاء الناس بتقديم الجزئيات على الكليات، فيعطلون قدرة الوعي والشعور بالمسؤولية الفردية والاجتماعية عند الإنسان، ويحققون أهدافهم بشعار «الموت في سبيل الله» ولم يفكروا في قاعدة «العيش في سبيل الله»، وذلك «دين ضد الدين» يشوه الأدوات والمفاهيم للدين الحقيقي بما يتلاءم مع دوره الاستحماري. ميزة الأحداث التي نتقلب فيها وإن كانت في شطر مبهرة وشطر آخر موجعة، أنها أسقطت هالة القداسة الافتراضية لبعض الأدعياء وكشفت عن حجم تناقضهم وتغريرهم وإن كان معلنا زورا وبهتانا باسم الدين، ولا مكان لذوي أنصاف الحلول!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة