تركت العمل حيث الشارع مكتظ على الجانبين بالسيارات لأشاهد مشادة مثيرة بين قائدي سيارتين «شابين» حول من له أولوية السير، وتطورت المشادة ثم انفتحت الأبواب وترجل السائقان اللذان بدأت عليهما علامات النعمة الوفيرة وتشابكت الأيدي وتدخل أمن المستشفى الذي امتص الضربات الأولى من أجل أن يفصل بين السيدين اللذين تطايرت حولهما الكلمات البذيئة والتي لا تتناسب مطلقاً مع مظاهر النعمة والتقطت أذناي وسط العاصفة كلمات متفرقة مفادها أن كلا منهما يريد أن يعلم الآخر الأدب .. يعني أن الأستاذين الفاضلين قررا أن يستعملا قلة الأدب في تعليم بعضهما أصول الأدب .. وتركت تلك الحادثة متجهاً لمنزلي وأنا أشعر بوحشة غريبة ووهن مخلوط بيأس وفي خضم تلك الوحشة تذكرت الماضي القريب وكيف كنا بالأمس غير البعيد نسمع من الداخل عندما يهم أحد منا أن يغادر بيته دعوة حارة «يكفيك ربنا شر الطريق» وكان شر الطريق زمان يقتصر على الحوادث من أي نوع، أما الآن فيبدو أنه أضيف إلى هذا الشر شر جديد شر تصرفات الناس وألفاظهم القبيحة «أي شر ملافظ الطريق» وهذه الملافظ الجارحة والمفردات المستهترة السيئة والشتائم من النوع الوضيع أصبحت لا تثير الغثيان فقط بل وتجعل الوجه أحياناً يتحول إلى توت أحمر لاسيما إن حصلت في وجود طفل أو سيدة، وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة تضعفنا كل يوم بحيث أصبحت غاية التعاسة الحقيقية تأتي من حماقة تمسكك بحق أن تعامل بكرامة واحترام في الطريق إلا أنه يبدو أن ما يحدث في شوارعنا وطرقاتنا ظاهرة عالمية؛ فقد ذكرت محطة «كي إيه بي سي» أن مجلس مدينة «لوس أنجلس» وهي أكثر مدن ولاية كلفورنيا اكتظاظاً بالسكان قرر أن يكون الأسبوع الأول من شهر مارس من كل عام «أسبوعاً خاليا من الشتائم»، وطالب مجلس المدينة السكان بهذه المناسبة التخلي عن الألفاظ الجارحة أو عبارات السب والشتم، وجاءت هذه الفكرة انطلاقاً من مبادرة أطلقها تلميذ عمره 14 عاماً من سكان منطقة باسادينا يكافح منذ عامين ضد اللغة المبتذلة التي يستخدمها أقرانه في المدرسة وأسس التلميذ «مكاي هاتش» في مدرسته منتدى أطلق عليه اسم «لا تشتم»، واجتذب الموقع الإلكتروني لهذا المنتدى حتى الآن ما يزيد على 20 ألف عضو حول العالم، وقال «مكاي هاتش» الذي كرمه مجلس المدينة «لقد صار الأمر أكبر مما كنت أتخيل»، وأكدت مصادر المدينة أن فكرة الأسبوع الخالي من الشتائم فكرة تطوعية بالكامل، ونقلت صحيفة «لوس أنجلس تايمز، عن متحدث باسم المجلس قوله «نرغب فقط في تذكير الناس بضرورة اختيار الألفاظ المناسبة والتعامل بطريقة حضارية»، والحقيقة أنني حاولت أن أجد تفسيرا منطقيا لما شاهدته من مشادة وألفاظ قبيحة متبادلة بين الشابين أمام المستشفى فلم أجد سوى أننا أصبحنا ندفع ضريبة الصرعة التي أصابتنا يوماً في مقتل، حيث كنا نعقد الصفقات بسرعة ونقود سياراتنا بسرعة ونتكلم بسرعة ونأكل بسرعة ونفض علاقتنا مع زوجاتنا الطيبات بسرعة ونتيجة لهذه السرعة الفائقة أصبحنا لا نعلم أطفالنا كما يجب ولا نربيهم كما يجب ولا نرعاهم كما يجب، فتحول هؤلاء الأطفال في غفلة من الزمن إلى ما نشاهده اليوم شبابا بأنياب وعضلات وصوت عال ولسان حاد وجيوب مملوءة بأسماء المسؤولين وتلفوناتهم للتدخل السريع، وأصبحت المخالفة جزءاً من سلوكهم اليومي، وفي هذه الفوضى الاجتماعية يحق لنا أن نتساءل من المسؤول عن الإنقاذ؟!! .. أنا لا أعرف. ومن باب تبرئة الذمة إننا لا يمكن أن نلوم الشباب فقط فيما يحدث فهذا الشاب ما كان يجرؤ على هذا النوع من التصرف إلا إذا كان هناك من سمح له بهذا التصرف بل وأرسى بهذا التطنيش مبدأ السماح بهذا الفعل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة