لقد أصبحت ظاهرة انتشار السحرة والرقاة الذين يتربحون من تعرض بعض الناس لحالات نفسية معقدة أو مشاكل شخصية أو أسرية أو اجتماعية مستعصية، تتطلب علاجا طويل الأجل، ظاهرة لا يمكن السكوت عنها في ظل التطور الإنساني والحضاري الهائل الذي وصلت له الأمة البشرية، حيث لم يثبت حتى الآن من خلال الطب الحديث وعلوم الماورائيات المعترف بها في العديد من الجامعات ومراكز البحث العلمي حول العالم إمكانية تحكم قوى غير منظورة بجسد الإنسان وسيطرتها الكاملة أو الجزئية عليه، وتحديدا تغييب إدراكه وشعوره وتكلمها على لسانه وسيطرتها على جوارحه.وعندما نقوم بتصنيف ضحايا السحرة فإننا نجد أن الغالبية العظمى منهم من النساء والفتيات، وتعج للأسف الشديد محاضر الشرطة والأمن بعشرات من قضايا السحر والشعوذة التي لا تخلو أي منها من حالات التحرش الجنسي والاغتصاب، علاوة على النصب والاحتيال المالي. إن انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا يعزوه البعد عن روح الإسلام الحقيقي، التي تحث الإنسان المسلم على العمل والكفاح الجاد والأخذ بالأسباب لتغيير حاله السيئ، قال تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى لا يغيروا ما بأنفسهم» وقال أحد الفقهاء: «الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر». ما أدى إلى انتشار ثقافة الخوف والجهل والموت وتغليبها على ثقافة الحياة والتقدم، التي ما فتئ ينشرها ويكرسها أعداء الحياة بغرض التربح غير المشروع على حساب آلام الناس ونهضة المجتمع. من وجهة نظري فإن الإنسان الذي يقال عنه إنه متلبس لا يعدو أن يكون سوى أحد أمرين: الأول: أنه مصاب بمرض نفسي أو عصبي أو عقلي.الثاني: أن هذا الإنسان يملك قدرات طبيعية خارقة للطبيعة.والأول هو ما يعتقده أغلبية الأطباء والعلماء في مختلف أنحاء العالم، إلا أن اليأس من العلاج الذي يستغرق عادة وقتا طويلا في مثل هذه الأمراض، والنظم الاجتماعية الخانقة في بعض الأحيان والتي تكبل الفرد وتجعله غير قادر على حل مشاكله الشخصية أو الأسرية بانسيابية ومرونة، خاصة عندما يكون هذا الفرد امرأة في مجتمع محافظ كمجتمعنا، فإن طرق العلاج الشرعية يضرب بها عرض الحائط ويتجه المريض نحو أصحاب الدجل وبائعي الأوهام، الذين يزينون للمرضى قدرتهم الخارقة على علاجهم في مدد قصيرة، وإن كانت لأكثر الأمراض خطورة ولأكثر المشاكل تعقيدا، لتصبح «تفلة» الراقي بمئات الريالات وعمل الساحر بألوف الريالات. ويكون شعارهم الدائم جني و«تفله» لكل مواطن !!!! رهام زمكة