في بداية عامنا الهجري الجديد تكثر التهاني والأماني التي تحيط بك إحاطة السوار بالمعصم كلها ترجو وتتمنى لك عاما مليئا بالحب والسلام خاليا من الذنوب والمعاصي، في دورة فلكية مكرورة لا تتغير، نردد أمانينا فيها كل سنة مرة! متفائلين أو متشائمين لا فرق ولكنها في النهاية بداية لعام جديد. هذه البداية هي شبيهة بحياة طائر «الفينيق» الكنعاني الذي يولد ويخرج من الرماد مرة كل 500 عام! تقول الأسطورة «إن هناك طائرا من أرض كنعان عاش ألف عام، وعندما مل هذه الحياة الأرضية جمع أخشاب العود والعنبر والبخور وأحرق نفسه، وفي اليوم التالي خرج من تحت الرماد طائر فينيق صغير، ليدور الزمن دورته الجديدة، وكل 500 عام تتكرر تلك المحرقة الرهيبة»، هذه الأسطورة التي أوردتها باختصار وبتصرف شديد! هو ما يحدث لنا إزاء أي حادثة غير سعيدة تواجهنا في حياتنا، فنحن لا نملك في أقوى حالاتنا سوى إدخالها إلى تلك المحرقة حتى نرتاح إن استطعنا، أو الاختيار أن تبقى معنا ترافقنا في رحلتنا الأرضية تمارس تدخلاتها التعيسة لتحيل تلك الرحلة القصيرة إلى عذاب دائم!! التخلص من شوائب الألم والذنب، والتقمص لحالة جديدة من الفرح والبهجة هو ما نفعله بداية عام جديد، ليظهر الصيام كمرادف عملي لتنقية تلك النفس وبعثها من جديد لغسلها والدخول بها إلى دورة حياتية جديدة، وهذا هو جوهر الحياة الحقيقية، التجديد وعدم الركون إلى شكل واحد مكرور ممل لا يساعد على الفعل والعمل والإنتاج لأن الإنسان بطبيعته ملول يحتاج إلى التغيير الدائم حتى يستطيع بعث الدهشة داخله وفيمن حوله. وعودة إلى «الفينيق» مرة أخرى نرى ترابطا فعليا، بين ما يصنعه الإنسان من حكايات وأساطير، وبين واقعه الحياتي، فصناعة الأسطورة فن قديم لم تجده سوى الحضارات الكبيرة، التي تسقطه بالتالي على واقعها الحياتي، ولنرى له امتدادا حتى الآن، عندها ندرك أهمية الحفر المعرفي، والبحث والدراسة داخل تلك الحضارات وتحت القشرة الظاهرة فيما يحيط بنا وحولنا من أحداث، لأن لا شيء فيما نراه، أو فيما يحدث لنا كما هو الظاهر عند أول لمسة أو نظرة سريعة خاطفة! فليلتمس كل منا طائره الأثير داخل روحه، وليبدأ في التفكير لعامه الجديد، وليدر الزمن دورته الجديدة حتى يخرج من تحت رماد عامه الذاهب روحا متألقة، فهل أنتم فاعلون؟!! [email protected]