يعتقد خبراء بأن مستثمرين وصناديق استثمارية أجنبية أشتروا واستأجروا أكثر من 15 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة في بلدان آسيوية وأفريقية، في مقدمها بلدان فقيرة مثل أثيوبيا وغانا ومدغشقر ومالي، حيث أشترى هؤلاء ما لا يقل عن مليوني هكتار بين عامي 2004 و 2009 وفقاً ل «المعهد الدولي للبيئة والتنمية» في بريطانيا. ولا تقتصر عملية الشراء والاستئجار كما هو شائع على دول تسعى الى ضمان أمنها الغذائي بالاعتماد على الخارج لعدم حيازتها على الأراضي الزراعية اللازمة، مثل دول الخليج العربي، في مقدمها السعودية، بل تشمل دولاً أخرى غنية زراعياً كالصين وكوريا الجنوبية ودول أوروبية عدة تسعى الى استثمارات مربحة في الأغذية وانتاج الوقود البيئي. تثير هذه القضية جدلاً واسعاً على الصعيد العالمي. وهنا تنقسم الآراء بين من يرى فيها فرصة لتطوير الزراعة في الدول الفقيرة من خلال نقل المعارف والتكنولوجيات الزراعية الحديثة وزيادة الإنتاج، وبين من يرى فيها استعماراً جديداً يسلب مزارعي هذه الدول أرضهم التي تشكل مصدر رزقهم. وإذا تجاوزنا وجهتي النظر فإن عملية شراء الأراضي واستئجارها واستثمارها في الدول الفقيرة، سلاح ذو حدين. ففي حال شملت هذه العملية الأراضي الشاسعة غير المُستغلة على أساس عقود تضمن حقوق الدول المعنية، يمكن لها أن تساعد على حل مشكلة نقص الأغذية في هذه الدول من خلال تخصيص قسم من إنتاج المزارع الجديدة للسوق المحلية. كما يمكنها ان تساهم في التخلص من الفقر والجوع من طريق زيادة إنتاج الأغذية وخلق فرص عمل جديدة توفر الدخل لعشرات آلاف العاطلين من العمل. لكن يمكن العملية المذكورة أن تشكل مصدر تعاسة في الدول الفقيرة إذا شملت ملكيات المزراعين الصغار المحليين وحولتها إلى زراعات معدة للتصدير كالرز والقمح وقصب السكر كمصدر للطاقة البيئية، على حساب حاجة السوق المحلية التي تستهلك الذرة ومنتجات أخرى بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق هناك حالات أسوأ تتمثل في نزع الملكيات الزراعية الصغيرة من أصحابها من دون تعويضات تُذكر على حد تقارير وردت أخيراً من بلدان مثل أثيوبيا ومدغشقر. ويتم ذلك من طريق صفقات سرية بعيداً من مشاركة الفلاحين بين الحكومات المحلية والمستثمرين الأجانب. وفي وقت يجري العمل لاستثمار ملايين الهكتارات في البلدان الفقيرة من قبل مستثمرين أوروبيين وعرب وآسيويين، يحتدم الجدل حول الجدوى من ذلك بالنسبة للدول الفقيرة، في شكل يسيء إلى سمعة الدول التي تنتمي إليها الجهات التي تقوم بالاستثمار. كما ان هذه الاستثمارات لا تخلو من أخطار، لا سيما في حال تعرض الدول التي تبيع الأراضي وتؤجرها، لمجاعات. ففي حالات كهذه يصب تصدير المنتجات في وقت يتعرض فيه الناس للموت جوعا. على ضوء ذلك أليس من الأجدى بالنسبة للدول العربية البحث عن بدائل أخرى من دون أن يعني ذلك التوقف عن مساعدة الدول الفقيرة على تطوير قطاعها الزراعي أيضا، عبر مشاريع مشتركة وصيغ أخرى تقوم على تكافؤ الفرص؟ ومن بين هذه البدائل على سبيل المثال لا الحصر، استصلاح قسم من الأراضي شبه الصحراوية الشاسعة بغية استخدامها لزراعات بعلية ومقاومة. وفي هذا الإطار يمكن دعم البحوث الزراعية الهادفة إلى تطوير نباتات أكثر مقاومة للظروف المناخية الحارة. ومن البدائل الأخرى إعادة إحياء المشاريع العربية المشتركة التي هدفت في السابق إلى تحويل السودان إلى سلة للغذاء العربي بحكم تمتعه بعشرات الملايين من الهكتارات غير المستغلة. يضاف إلى ذلك أن شراء الأغذية من السوق الدولية سيكون مستقبلاً أكثر سهولة وأقل كلفة من استثمار الأراضي الزراعية في الخارج إذا أخذنا في الاعتبار ان مزيداً من الدول سينضم إلى منظمة التجارة العالمية، ما يؤدي إلى وقف الدعم الأوروبي للسلع الزراعية وتحرير تدفقها عبر الحدود بين مختلف الدول بأسعار أكثر تنافسية. * إعلامي وخبير اقتصادي - برلين