لم يخطئ أو يبالغ الإمام ابن قيم الجوزية عندما وصف الذين يتصدون للفتوى أو للقضاء ويصدرون فيهما فتاوى أو أحكاما بأنهم يوقعون حينما يوقعون على فتاواهم أو أحكامهم نيابة عن رب العالمين لأنهم يقولون إن ما وقعوا عليه هو حكم الله عز وجل الوارد في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد أراد الإمام ابن قيم الجوزية بذلك الوصف تنبيه من يتصدى للفتوى أو يجلس على مقاعد القضاء إلى خطورة ما يقوم به من عمل، وليس كما فهمت الدكتورة عزيزة المانع حسب ما جاء في مقالها المنشور في «عكاظ» يوم 3/12/1431ه من أنه أراد بذلك وصف كل من تصدر للفتوى والقضاء بأنه يوقع عن رب العالمين، ولذلك تكون فتواه وحكمه غير قابلين للمناقشة أو الطعن، فهذا المعنى لم يرده ذلك الإمام الجليل، وإن فهم الأمر بعض طلبة العلم كما فهمته «الكاتبة»، فهذا ليس ذنب الإمام ابن قيم الجوزية الذي أراد فعلا تجسيد فداحة وخطورة عمل من يتصدى للفتوى أو القضاء ولكنه ذنب أصحاب الفهم الخاطئ. لقد كان العلماء والفقهاء في العصور الصالحة يهربون من تولي القضاء لأنهم يرون أن من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين وكانوا يحجمون عن التسرع في الفتوى بقولهم لا أعلم لأنهم أخذوا بالتحذير المتضمن أن أجرأ الناس على الفتوى أجرؤهم على النار، لأنهم يعلمون عظم هذه الأعمال وخطورتها عليهم، وفهموا ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية بأنه تحذير لكل من تسول له نفسه التصدر للفتوى أو القضاء، ولم يفهموا من كلامه أن كل من أصدر فتوى أو حكما ووقع على ما أصدره يكون قد قام بذلك نيابة عن رب العالمين لأن الشرع ما وافق الشرع وهو ما وافق حكم الله عز وجل، أما غير ذلك فإنه لا ينسب إلى الخالق العظيم وإنما إلى من أصدره ولا يكون الموقع عليه موقعا عن رب العالمين لأنه مخالف لحكم رب العالمين!، فإذا خلف أولئك الأتقياء من الفقهاء والعلماء خلف علموا أحكام الله فحكموا بغيرها أو جهلوا تلك الأحكام فحكموا بغيرها لجهلهم بها أو أفتوا بغير علم ثم ادعوا أنهم موقعون عن رب العالمين فقد أضافوا إلى ظلمهم وجهلهم زعما خطيرا وقولا على الله بغير حق، وذلك هو الخسران المبين!.