لم تتوان المملكة على مر العصور عن القيام بمهمات حيوية ذات قيمة أمنية على مستوى الاستقرار في كافة مناطق الصراعات داخل أسوار العالم الإسلامي تحديدا. فقد تبنت مبادرات ناجحة وقدمت الدعم تلو الدعم على المستويين المادي والمعنوي، بل وقفت بصلابة في وجه الأطماع، وأدارت بحكمة بالغة لقاءات متعددة بين فرقاء أضحوا أصدقاء، وحسنت صورة الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وما زالت سائرة على نفس النهج الثابت، من باب الإيمان الصادق بأهمية دورها الريادي وواجبها الإنساني ومكانتها المرموقة لدى القاصي والداني على حد سواء. وتأتي تلك الجهود المتواصلة عبر قناعة حقيقية بأهمية الالتفات للتنمية بما يحقق رفاهية الشعوب المسلمة، ونبذا للخلافات التي لا تجلب سوى الدمار والخراب ولا شيء غير هذا. لم يفتر جهد المملكة على مدى سنوات طويلة حيال نصرة القضايا الإسلامية بشكل عام والعربية على وجه الخصوص، فقد دأبت المملكة على بذل الجهود المضنية ذات الوضوح في المعلم والمقصد لنصرة الحق العربي، وتقديم العون والدفاع عن القضايا والتضحية بالغالي والنفيس لتحقيق رفاهية واستقرار الشعوب العربية. ونجحت في إخراج الأمة من مآزق شتى، فالمملكة التي وظفت وسخرت مكانتها الراقية والمميزة لنصرة قضية المسلمين الأولى في فلسطين على سبيل المثال منذ سنوات الاحتلال الأولى، لا تبتغي أو تنتظر مقابلا أيا كان نوعه. لقد برزت المملكة في مقدمة الدول المسلمة التي اهتمت بموضوع الحوار بين المسلمين والغرب، وسبق وخصص البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية في عامين متتاليين لمناقشة موضوع العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، ودعت المملكة متخصصين ومثقفين وكتابا ينتمون لديانات مختلفة لمحاورتهم ومناقشتهم، ولعل مبادرة خادم الحرمين التي أطلقها لحوار الحضارات والأديان تنم عن حصافة وحكمة وبعد نظر في الترويج للحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان، حيث حظيت بترحيب لا نظير له، وتحدث عن انعكاساتها الإيجابية العديد من الساسة والمثقفين، ذلك أنها تقطع الطريق على من يرغبون في بث الفرقة بين الثقافات والديانات تحقيقا لغاياتهم السياسية الخاصة. وإن تلك المبادرة دعوة لحوار من شأنه تحقيق التفاهم والتسامح كما أشار المتحدث باسم الخارجية البريطانية بيري مارتسون في حديث صحافي قال خلاله إن تحديد خادم الحرمين الشريفين لهذه القضية كقضية ذات أولوية هو الذي أجبر الناس على إعادة النظر والتفكير مجددا في طبيعة الروابط والأواصر الحضارية والثقافية التي توحد معتقداتنا وثقافاتنا. ففي القرون الفارطة كان للعلماء والفلاسفة والأطباء وعلماء الفيزياء والرياضيات العرب والمسلمين تأثير هائل على أوروبا والغرب، ومن المهم أن ندرك كم نحن مدينون للحضارات الأخرى ولفضلها في تشكيل قدراتنا وتطوير فهمنا للعالم. لعلنا نتذكر الجهد البارز للمملكة في إطفاء حرائق الحروب في منطقة ساخنة شديدة الخصوصية بدءا من فلسطين وانتهاء بالعراق مرورا بما يحدث في أفغانستان وبقية البلدان الإسلامية. وشواهد الاهتمام اللا محدود تضيق بسردها الصفحات، فالمنكوبون تمتد نحوهم الأيادي السعودية البيضاء في لمح البصر، والمشاركة الفاعلة بالفرح والحزن ماثلة للعيان في كافة التصرفات قولا وعملا. وتشهد الوقائع الفعلية على رعاية المملكة لكل ما من شأنه بسط الاستقرار في العالم الإسلامي؛ فقد تبنت مؤتمرات ولقاءات لحل قضايا جسام ليس أولها لقاء الطائف لإيقاف الحرب الأهلية اللبنانية، وليس آخرها لقاء مكةالمكرمة للم شمل الأشقاء الفلسطينيين، فبينهما جهود مضنية ومقدرة لترسيخ الأمن والاستقرار في أوساط العالم الإسلامي، وبعدهما استمرار لنهج مميز جعل من المملكة الحاضن الحقيقي لهموم الأمة والقلب النابض للمسلمين الذين يؤمون مقدساتها بالملايين، ليجدوا ما يسرهم ويتفرغوا تماما لأداء مناسكهم بيسر وسهولة، قل أن يكون لها نظير. لقد جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للفرقاء العراقيين أخيرا استمرارا لنهج حكيم هادف، فقد تألم (حفظه الله) مثلما تألم كل عربي مخلص من تأخر الوفاق العراقي لتشكيل الحكومة، وبعد أن تعثر تشكيلها، دعا (رعاه الله) للقاء الرياض للتعجيل بتشكيل الحكومة والالتفات للتنمية عوضا عن التناحر. وليست للمملكة مصلحة أيا كانت جراء تلك الدعوة، فقد دأبت على الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف المتنازعة، وتعودت على عدم التدخل في شؤون الغير، إلا أن الغيرة العربية تدفعها للعمل على حلحلة الصعاب وتقريب وجهات النظر. وجاء أخيرا اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله) ثالث أقوى شخصية في العالم في استطلاع مجلة فوربس الأمريكية تتويجا لجهوده في خدمة الإنسانية، واعترافا عالميا بالمكانة التي تتمتع بها المملكة في الأوساط العالمية، كما يجسد جهود خادم الحرمين الشريفين في التنمية وخدمة السلام العالمي، كما يؤكد الاختيار قيمة الجهود التي يبذلها خادم الحرمين في خدمة الإنسانية جمعاء. وتستمر المملكة في هذا المسلك الطيب بدعم وتوجيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني في مستويات عدة غير محصورة بالعمل السياسي فقط، إذ تشمل المجالات كافة بما فيها المجال الرياضي والاقتصادي والاجتماعي. حفظ الله الأمة الإسلامية من كل مكروه وجعل الألفة والمحبة عنوان التلاقي. * مدير التربية والثقافة في وزارة الدفاع والطيران