جلسات بألوان زاهية تتناثر حولها أجهزة التكيف، وتلطيف الجو تلفها قطع من ستائر الخيام؛ وسط جلسات تفوح منها رائحة القهوة والشاي والبخور الذي يعطر دوارق زمزم في منظر مبهر يشد المارة.. هذه ملامح الديوانيات والمراكيز التي بدأت تظهر بجلاء على المشهد العام لشوارع مكةالمكرمة في موسم الحج. تنافس محموم وسباق واضح تشهده معظم مكاتب الخدمات الميدانية في مؤسسات الطوافة وحملات الحج الخليجية في إظهار الجلسات على واجهة الفنادق وعمائر سكن الحجاج؛ مما أوجد تبادلاً ثقافياً في موروث الأحياء الخليجية والمكية وأضحت هذه المجالس أشبه بأندية أدبية ومظلات ثقافية تمتد فيها المسامرات الليلة طيلة أيام موسم الحج. وفي مكةالمكرمة حيث أكبر مدينة علمية تستقبل ثلاثة ملاين حاج وموظف موسمي خلال 30 يوماً تقريباً تفيض شوارعها بأطياف من اللهجات والثقافات والعادات الاجتماعية والألبسة. يقول "بادي لطيف" -موظف حملة كويتية- إن الديوانية تعني مكاناً منعزلاً من البيت له باب خارجي يتخذ خصيصاً لجلوس الرجال، وهي بمثابة ناد يتداول فيه الرجال مختلف شؤون الحياة من معيشية وتجارية وسياسية وأدبية وفكرية، وعادة ما تكون الديوانية أكبر الغرف، وفي صدر الدور الأرضي من المنزل، ويدل كبر الديوان على كرم صاحبه وعلو مكانته في المجتمع. والقواسم المشتركة بين الديوانية والمركاز كثيراً ما تتقاطع وتتشابه ولكنها تختلف في الملامح والأثاث، ويقول "ناجي المولد" -عمدة حي البياري- إن المركاز يمثل ملمحاً من ملامح الحارات المكية القديمة؛ فكان مظلة لاجتماع أهل الحي حول العمدة، وهو أيضاُ أشبه بوكالات أنباء تجمع أخبار ومناشط أهل الحي الاجتماعية، وهو مكان جلوس عمدة الحارة مع أهل الحارة، وربما يكون المركاز لأسرة واحدة أو جيران متقابلين وليس من الضروري أن يكون لكل حي مركاز. ويصف "البيطار" المركاز بأنه جامع أو مدرسة يتم من خلاله مناقشة كل ما يتعلق بأمور الحي واحتياجاته، بالتشاور بين عمدة ووجهاء وأعيان ومشايخ الحي، ويتم رصد الحالات الفقيرة والأرامل وجميع من يحتاج إلى مد يد العون، إضافة إلى مناقشة الاحتياجات الكلية للحي، مشيراً إلى أن التوسع الذي شهدته أحياء مكة وانتقال معظم سكانها إلى المخططات السكنية ساعد في اندثار المركاز وانطفاء وهجه.