يولد الإنسان وهو لا يملك شيئا من مقومات الإنسانية، لا اللغة ولا الفكر ولا المشاعر ولا الأخلاق وعليه أن يكتسب كل ذلك من البيئة المحيطة به. وإن الأسرة والمدرسة والمجتمع وما نقرؤه ونسمعه هي الموارد الأساسية لتشكيل إنسانيتنا. وإننا إذ ندرك أنفسنا وندرك الوجود من حولنا لا ندركه على نحو مباشر وإنما من خلال الثقافة التي تشبعنا بها. وذات كل واحد منا ما هي في النهاية سوى حاصل إدراكه وتصوراته لوجوده الكلي. ولك بعد ذلك أن تقول: إن الذات هي الطريقة التي يدرك بها الفرد نفسه. إن هذا الإنسان حين يعي وجوده ويشب عن الطوق يجد أنه ضعيف ومحدود للغاية حتى الاسم الذي يحمله أطلقه أحد أبويه أو إخوته ويكبر ويبدأ في تحسس شخصيته واكتشاف تكويناتها المختلفة، فإذا به يجد أن الثقافة التي شكلت ذاته المعنوية من إنتاج غيره، وأن الصورة التي يحملها في مخيلته عن ذاته ليست من رسمه، وإنما من رسم أبويه وإخوته ومعلميه ووسائل الإعلام التي جذبته، وهذه الصورة كثيرا ما تكون زائفة أو مشوهة لأن الذين رسموها هم أيضا بحاجة إلى من يصحح رؤيتهم للإنسان والحياة. ولهذا كله فإن الواحد منا مدعو إلى أن يحاول تصحيح رؤيته لذاته والتحرر من الأوهام التي وجد نفسه مكبلا بها عند فتح عينيه على الدنيا. قد تغزونا الأوهام من خلال غموض بعض المصطلحات التي جعلناها محورا لعدد من الأفكار والمفاهيم والآمال. إن غموض بعض المصطلحات في أذهان كثير من الناس أوجد كثيرا من التداعيات السلبية لديهم. لذلك نجد البعض من ملكه أهله ومعلموه الصور التي تجعله يحتقر ذاته وإمكاناته حيث إنهم أطلقوا عليه في صغره من الألقاب وأسمعوه من العبارات ما جعله يجزم بأنه لا يصلح لأي شيء في الحياة وهناك من الناس من ابتلي بعدد وافر ممن يجيد النفاق وكيل المدائح بغير حساب، فنشأ مصابا بجنون العظمة دون أي رصيد واقعي يجعل شعوره بالتميز مشروعا وهكذا الإنسان المتفوق لا يحتفظ بصورة نهائية عن ذاته فهو دائما مشغول باكتشاف الزوايا المظلمة من ذاته، والتحرر من أوهامه إن تحرير الذات من الأوهام يتم نظريا عن طريق اعتماد منطلق فكري راشد يقوم على عدد من الأسس منها الصورة التي كوناها عن أنفسنا ليست بالضرورة صورة صحيحة، بل غالبا ما تكون غير دقيقة، كذلك الجهل أساس كل المشكلات، ولا شيء يضيء الطريق كالخبرة. فكل منا لديه نقطة تفوق في جانب من جوانب شخصيته عليه اكتشافها وتنميتها، ومن هذا المنطلق لزاما علينا أن نلتفت إلى العمل والممارسة، وأول ما علينا القيام به أن نعود أنفسنا بذل الجهد والاستمرار في أداء العمل الشاق، فهذا خير ما يساعدنا على التحرر من الوهم. وعلى الواحد منا أن يجرب دائما كل طريقة ممكنة وكل أداة متاحة حتى يصل إلى الوضعية المثلى. وسيرى بعد ذلك أن العمل والتجريب سيهبطان به من عالم الخيال إلى عالم الواقع وفي عالم الواقع تتجسد الإمكانات وتلوح الفرص، وتظهر العقبات، وفي ذلك تحرر من الوهم. وعندما يصبح نجاحا مقدرا، فإن ذلك النجاح سوف يغريه بالمزيد من النجاح، وبذلك يتبلور نموذج لإنسان جديد. نوال محمد بحاري جدة