تطرقت حلقة أمس من برنامج «همومنا» على القناة الأولى في تلفزيون المملكة إلى قضايا «الجهاد»، حيث أوضح الضيف الدائم لحلقات البرنامج الدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي، أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولا يستطيع أحد مهما كان أن يقلل من شأنه أو يحجمه، وهو شعيرة مشروعة تخضع كغيرها من التعبدات الكبرى لشرع الله وضوابطه وتحقيق مصالحه، مؤكدا أن الجهاد ليس هو القتال بعينه، إنما اسم عام يدخل فيه فروع كثيرة، أولها وأساسها جهاد النفس في طاعة الله، ومجاهدة النفس عن الوقوع في معصيته تعالى. وأكد الحميدي أن الجهاد مفهومه واسع، ويستطيع المسلم أن يجعل كل ما يفعل وكل ما يأتي يدخل في باب التعبد والعبادة لله، ويحقق له أعظم الثواب والأجر عند الله سبحانه، حتى أفعاله التي يفعلها بحكم الطبيعة والجبلة البشرية كطعامه وشرابه ونكاحه وزواجه ومعاشرته لأهله ونومه وممارسته للتجارة وكسبه الرزق الحلال. وبين أن القتل والقتال ليس هدفا بذاته، إنما وسيلة لغاية، فهو لنصرة الكتاب الهادي لإبلاغه لمن يمنعه، ويحرم الناس منه، لا لقتل الكفار كقتل مقصود بذاته لأشخاصهم وأفرادهم. وأشار الحميدي إلى أن القتل ليس من القتال في شيء، موضحا أنه قد يستوجب القتال لدفع عدو صايل، أو شر معين، أو فئة باغية بقدر ما يدفع الشر ويوقف، أما القتل العيني بذات الشخص غير مقصود، مبينا أنه حتى في حروب النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار ما كانوا يجهزون على جريح، ولا كانوا يقتلون أسيرا، ولا كانوا يتبعون مدبرا في الغالب، وإنما اكتفوا بكسر شوكة الكفار عندما يصلون إليهم دون القتل العيني المقصود بذاته، والأبلغ من ذلك وهو عبرة عظيمة تؤصل إلى ما تدعو إليه، نحن نعرف ما حصل للنبي والصحابة يوم أحد انقلبت المعركة رأسا على عقب عليهم، ووقعت مقتلة عظيمة لكبار الصحابة على رأسهم سيد الشهداء حمزة رضى الله عنه، ووصل الأذى إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم شج وجهه الشريف، وكسرت رباعيته وأسنانه، ودخلت حلقتان من حلقات النبغة في وجنتيه، وجعل يمسح الدمع عن وجهه هكذا في البخاري هذا موضوع الشاهد، جعل يمسح الدمع عن وجهه، يعني أي بلاء أشد من أن يتمكن الكفار والمشركون من أذية النبي صلى الله عليه وسلم في شخصه حتى أسالوا دمه وكادوا يقتلونه لولا أن الله عز وجل حماه وحفظه، قال كلمة فقط فيها نوع مما نقول انتقام فيها نوع يعني الحكم على هؤلاء الكفار بأنهم كفر وشرك وقتل المؤمنين، وكادوا يقتلون سيد المرسلين، فما بعد هذه الجريمة من جريمة، يمسح الدمع من وجهه ويقول اللهم كيف يفلح قوم، يقول كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم هذا حديث البخاري حديث ابن عمر وغيره فينزل القرآن عليه يعاتبه حتى في هذه هذا أغرب مما وقفت عليه، عجيبة جدا فينزل عليه قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء)؛ يعني حتى وأنت الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حتى وقد بلغ الأذى إلى شخصك، لا تجعل لنفسك في هذا حظا مطلقا. وتطرق الحميدي إلى حديث في صحيح البخاري، وهو حديث سهل بن سعد الساعدي قال: التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع المشركين وتحاربوا وتقاتلوا وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا تتبعها بسيفه، حتى قال الصحابة وهم كبار المجاهدين والشجعان: يا رسول الله ما أبلى أحد اليوم مثل ما أبلى فلان، فصعقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويفاجئهم بخبر ما يخطر على بال هذا المقاتل الصنديد والمجاهد العنيد مع رسول الله وتحت رايته الشريفة المباركة وبذل الجهد العظيم في قتال الكفار، يقول عليه الصلاة والسلام: «أما أنه من أهل النار»، فصعق القوم حتى قال بعضهم كما في بعض ألفاظ الحديث ومن سيكون منا من أهل الجنة إذا كان هذا من أهل النار، فقال بعض الصحابة لا بد هناك أمر ساتبع أمره، وأنظر ما شأنه، فتبعه وكان على حاله حتى كان من آخر النهار، أصابته جراح فوضع نصل سيفه في الأرض، فاتكأ فقتل نفسه، فمات منتحرا قاتلا لنفسه، فجاء ذلك الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك»، قال: الذي قلت عنه في النار حصل له كذا وكذا، قال: «قم يا بلال فأذن في الناس أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، وإنما الأعمال بالخواتيم، وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وأن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة». وأوضح الحميدي أن الكوارث العظيمة تقع على الأمة والإسلام، بحيث ربما يظن الظان أن هذا من أعظم النصرة لله، والآية نزلت في هذا «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل فتبينوا»، حتى لو كنتم باسم سبيل الله وباسم الجهاد تبينوا انضبط بضوابط الشرع في مقاصدك وأعمالك، ولا تقل لمن ألقى السلام إليك لست مؤمنا، تبتغي عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة إن كنتم مؤمنين فمن الله عليكم فتبينوا.