على رغم الآلية الدقيقة التي ينتقى بها الخطباء، إلا أن نوعاً من الوصاية والمراقبة عن كثب، و«الإجبار المؤدب» يمارس عليهم، لذا يبدي بعض الخطباء تخوفاً من برنامج تطوير الخطباء، هل سيكون نوعاً من التدخل في اختيارات الخطيب للمواضيع أم لا ؟ إذ تدور أحاديث في أوساطهم بأن وزارة الشؤون الإسلامية تنوي توحيد عناوين الخطب، بعيداً عن محتواها، إذ يترك لكل خطيب تعبئة أوراقه بما يريده ولكن العنوان محدد سلفاً من الوزارة. وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق السديري أكد في أحاديث صحافية، أن الخطباء لا يعينون إلا بعد استكمال إجراءات التعيين، ومنها: تحقق الشروط المؤهلة له للخطابة، كما نفى إملاء الوزارة على الخطباء مواضيع معينة إلزامية «الأمر اختياري لهم بما يحقق المصلحة والمقصود الشرعي من خطبة الجمعة وهناك مواضيع معينة يوجه الخطباء بمعالجتها في خطبهم أحياناً لأهميتها وحاجة الناس إلى التنبيه عليها، وإن شاء الله تعالى لن نضطر إلى الإلزام». كما بين أن الوزارة تدرس فكرة تحفيز الخطيب المميز وإقامة حفلة خاصة بالخطباء المميزين سنوياً، لافتاً إلى أن الوزارة تحرص على ما يحفز الخطيب على تطوير نفسه والرفع من مستوى خطبة الجمعة بما يتوافق مع السنة النبوية ومع أنظمة الوزارة. وأكد أن إدارة خاصة بالخطباء (الإدارة العامة للتوعية العلمية والفكرية) مختصة بما يتعلق بالخطباء وخطبة الجمعة وغيرها، مفيداً أن فريقاً علمياً خاصاً بتطوير خطبة الجمعة شكل بقرار من الوزير. من جانبه، اعتبر الخطيب ياسر البواردي في حديث مع «الحياة» أن وزارة الشؤون الإسلامية تمارس أسلوب «التوجيه المؤدب» مع الخطباء خصوصاً في المواضيع المتعلقة بالجانب الأمني، على رغم أن الوزارة تفاخر بأنها تمنح حرية كبيرة للخطباء ولا تمارس وصاية عليهم. وأشار إلى أن بعض الخطباء يرتجل خطبته، لكن ذلك لا يعفيه من عدم الإرسال لهم، إذ يطالبه المراقب الخاص بالجامع بكتابة أبرز النقاط التي تم التحدث عنها والتوقيع عليها بخط اليد للتأكد من ذلك. وذكر أن وزارة الشؤون الإسلامية تسعى حالياً إلى التواصل مع كافة الخطباء عبر البريد الإلكتروني (الإيميل) كما تطالبهم بتزويدها بالمواقع الخاصة بالخطباء وتجبرهم على ذلك، مفيداً أن هناك أحاديث حول توحيد مواضيع الخطب في أوساط الخطباء. وحول المواضيع السياسية التي تشغل الإعلام حالياً ومدى تناول الخطباء لها قال البواردي: «هناك حساسية من تناول المواضيع السياسية، لكن الأوضاع التي شهدتها الساحة التونسية والمصرية لا بد من تناولها، معتقداً أن كل الخطباء تناولوها لكن كل برؤيته الخاصة، لا يوجد خطيب لم يطرح الموضوع، حتى المفتي تناولها». وأفاد أن وزارة الشؤون الإسلامية لا تقوم بالمنع مباشرة ولكن تعطي لفت نظر، لكن إذا عرف منهج الخطيب وأنه جيد، يكتب عليه ملاحظة، وبعد حين قد يرون من المصلحة منعه، لكنه يقول: «أنا لا أعرف حالياً خطيب منع من الخطابة». وأكد أنهم (الوزارة) لا يستعجلون في المنع، ولا يعينون إلا بعد تمحيص فأنا جلست لمدة سنتين حتى أعين. وعلى رغم أن البواردي يصف تدخل وزارة الشؤون الإسلامية في شؤون الخطباء ب «التوجيه المؤدب» إلا أنه يستدرك ذلك بأن الوزارة لا تتدخل بشكل قوي «لا يوجد تدخل قوي في خطبة الجمعة إذ نتكلم بالمواضيع التي نريدها لكن مؤطرة بإطار الشرعي، كما أننا نتناول المواضيع السياسة بشكل شرعي»، مشدداً على ضرورة أن يكون الخطيب جزءاً من المجتمع. وقال: «لا تجرد السياسة عن الشرع ولا الشرع عن السياسة».وأبدى عدم رضاه عمن يتجاهلون الأحداث السياسية التي تشهدها الأمة، «لا يعجبني من يتغافل عن الأحداث الحالية، فالناس متشوقة لما يقوله الخطيب من توجيه ونصح وما يستفاد من ذلك في الأزمات». وتابع: «ليس من المنطق أن يتحدث خطيب جمعة عن الغيبة في وقت أحداث مصر مثلاً؛ هذا أمر غير مقبول»، كما أنه رفض تحويل منبر الجمعة إلى قناة إخبارية أو سياسية، لكنه طالب بتوجيه الخطبة حول الأحداث الحالية بشكل شرعي إيجابي، وتوظيف الحدث بشكل جيد حتى لا يتكرر في كل الدول. ولخص رأيه في برنامج تطوير برنامج الخطباء أنه سيصبح ناجحاً «إذا لم يمارس على الخطباء الإجبار»، معتبراً أن الالتقاء بالخطباء يجعل المرء يستفيد من عقول عدة تشاركه الهم.