قبل عام تقريبا حضرت حفل افتتاح الجمعية السعودية لمرض الزهايمر، فشاهدت عرضا مصورا يتضمن شهادات لعدد من أقارب بعض المصابين بالمرض، يتحدثون فيها عن تجربتهم مع أقاربهم المرضى واصفين ما يعانونه من كبد. كانت ملامح المتحدثين تكشف عن مدى المعاناة النفسية التي يعيشونها حسرة على ما آل إليه حال أولئك الأحباء المريضين، وما زلت أتذكر أحدهم وكيف كان يزدرد ريقه، يتحدث بمرارة بالغة وهو يصف حال زوجته المصابة. مرض الزهايمر متى أصيب به الإنسان، تجلى أمامنا قوله تعالى: «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا». فالمصاب بمرض الزهايمر يفقد العلم وتضيع منه المعرفة، فيتحول إلى جاهل، ليس فيما اكتسبه من معارف ومهارات، علمية فحسب، وإنما في كل شيء، يصير جاهلا بأبسط صور المعرفة، تلك المعرفة الأولية التي تتعلق بقضاء احتياجات الإنسان الخاصة كتناول الطعام وقضاء الحاجة والاعتناء بالنظافة الشخصية وما شابهها. لكنه مع هذا، لا يعدم أن تمر به لحظات من عودة (العلم) فيتنبه إلى عجزه ويفطن إلى الغمامة المعتمة التي دخل فيها، فيأسى على نفسه لتزيد معاناته. أي عذاب يشعر به الإنسان! سواء كان هو الماصب بالمرض، أو كان الماصب به حبيبا له، المعاناة النفسية بالغة، تعصر القلب، فكم هو مؤلم أن ترى حبيبا غاليا، عرفته قويا مقتدرا مدركا، وقد استحال إلى طفل شائخ، كتلة من الجهل والعجز والوهن! الروائي المغربي الأصل الطاهر بن جلون، عاش هذه التجربة المرة مع أمه الماصبة بمرض الزهايمر. خاض معها آلامها واعتصرته معاناتها وهو يرى الوهن يغزو جسدها يوما بعد يوم غير قادر على صد الأذى عنها. فسجل تجربته تلك في كتاب بعنوان «حين تترنح ذاكرة أمي»، تحدث فيه بصورة مؤثرة عن أمه، وروى سيرة حياتها من خلال تداعي الأفكار التي كانت تتدافع في خاطره كلما رنا بنظره إلى أمه أو سمع صوتها عبر الهاتف. صارت أمه تعيش مع الأموات أكثر من الأحياء، تراهم يحيطون بها من كل جانب، يزورونها يتحدثون إليها ينقلون لها الأخبار، أعادت السنين إلى الوراء لتعيش ثانية في عالمها الذي عرفته معهم قبل عقود طويلة، تركت من حولها جميعهم حتى المقربين منها، لتعيش تحادث أزواجها وإخوانها وأخواتها الذين قضى عليهم الموت، صارت تصر على مخاطبة ابنتها على أنها أختها، الوحيد الذي لم تخطئه ابنها الطاهر، الذي كان قريبا منها بارا بها حبيبا إليها. أحيانا تحدثه قلقة عن (أبنائها الصغار) وتسأله عنهم مستغربة غيابهم أو تأخرهم عن العودة من المدرسة! في بعض المرات تستحيل إلى امرأة خطيرة كما فعلت يوما حين زارتهم صديقة لخادمتها ومعها طفلها الرضيع، ففرحت به وانتزعته من بين يديها لترضعه معتقدة أنه طفلها الذي توفي رضيعا، وبقيت ممسكة به غير راضية بتسليمه لأمه. في بعض المرات حين تستعيد أمه وعيها، تتشبث بيده، تسأله ألا ينقلها للعيش في مكان آخر، تؤكد له أنها لا تريد أن تموت في المستشفى وحيدة، تريده أن يكون بجانبها حين تموت. الطاهر بن جلون في حديثه عن أمه، يخاطب في نفس القارئ جانبا إنسانيا مؤثرا، هو وإن أثار كثيرا من الأسى في النفس، إلا أنه يذكرنا كم نحن ضعفاء وعاجزون مهما توهمنا في أنفسنا غير ذلك! «حين تترنح ذاكرة أمي» كتاب جدير بأن يقرأه كل أحد، وليس فقط من له قريب أو صديق مصاب بهذا الداء. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة