تنتشر النسوة على الطريق المؤدي إلى مركز عمق على ضفاف البحر الأحمر، حيث يقدمن وجبة السمك بالخمير على طريقة أهالي الساحل التي ورثتها النسوة عن أمهاتهن، ويأبى المارون على قارعة الطريق إلا أن يتذوقوها كلما ساقتهم الخطوة نحو هذا المكان. تتميز مطاعمهن بالبساطة، فالأسقف من سعف النخيل، وأدوات الطهي تنور في عمق الأرض، وكامل محتوى المكان «عشة» قديمة تعني البساطة بكل تفاصيلها. يحتاج العمل في هذا المكان لصبر وجلادة، فلا بد من الاستيقاظ مبكرا لجلب السمك الطازج وتجهيز التنور «الميفا» حتى يكون الطلب على المائدة في وقت وجيز، تقول إحدى العاملات في المهنة لمدة لا تقل عن ربع قرن: «أستيقظ لأداء صلاة الفجر، وبعدها يبدأ العمل فأشتري السمك مبكرا وأشعل النار في التنور «الميفا»، بعدها أعجن الخبز الأسمر «الخمير» ثم أبهر السمك وأنتظر من يطرق باب الرزق». من جهتها ورثت الخالة فاطمة المهنة عن أمها التي قدمت السمك بالخمير للحجاج حين كانت مسيرة الحج برا تقول: «كانت أمي تعد وجبة الخمير بالسمك لقوافل الحجاج والمعتمرين، فهذا هو طريق الحج للقادمين من اليمن والجنوب وورثته عنها فرغم تغير الحياة إلا أننا بقينا ولم يتغير شيء». أما باعة السمك الذين يستقبلون الزبائن فأشاروا إلى أنه يصلهم من البحر مباشرة، يقول إبراهيم الحلوي: «الأسماك هنا تنفد باستمرار لكثرة الطلب عليها، فالمسافرون أصبحوا أصدقاءنا لكثرة ترددهم علينا، بل وأصبح البعض منهم يتصل بنا لتجهيز وجبته ريثما يصل». ويؤكد مصطفى قماش إن جزءا من اهتماماته والسبب لذة وبساطة الطعام هناك يقول «طبيعة المنظر والأسماك الطازجة التي فقدناها في المدن تجعلني أهتم كثيرا بالتردد على مركز عمق لأجد فرصة جيدة للاستمتاع بأكلة ممزوجة بالبساطة، وأستعيد زمن أمهاتنا المكافحات من خلال نافذة هؤلاء النسوة اللائي يقدمن وجبة السمك بالخمير، بعيدا عن التعيب من شرف المهنة».