أبرز الكاتبان الدكتور عبد الله مناع والدكتور علي الرباعي المحطات المضيئة في مسيرة الشاعر والروائي والمثقف غازي القصيبي، مشيرين إلى ما كان يتمتع به من تواضع وروح مرحة، وما بذله لتأسيس مدرسة المأسسة الإبداعية. فبنبرة حزن وصف مناع وفاة الدكتور الأديب غازي بن عبد الرحمن القصيبي بالفاجعة، وقال ل«عكاظ»: «لم أكن أتوقع ذات يوم أن أسمع خبر وفاة هذا الرجل النبيل المثقف المواطن البسيط الذي مهما تحدثت عن شخصيته فلن أوفيه حقه، فهو صديقي العزيز، كيف لا وصداقتنا مستمرة من بداية السبعينيات الميلادية، فقد كان نعم الأخ والصديق والزميل». وعن ذكرياته مع الفقيد قال: «ذكريات جميلة جدا .. كان يملك روح الدعابة والمرح، وأذكر ذات مرة زرته أثناء عمله سفيرا للمملكة في المملكة المتحدة وتواعدنا أن نلتقي في السفارة، فوصلت إلى مقر السفارة قبل أن يحضر، فقال لي هذه ميزة أصحاب الأجسام الرشيقة، أما أنا فمن الصعب أن أصل قبلك». وكانت للفقيد وقفات جدا كبيرة مع أناس كثر أتذكر منها الكثير، ولكنني أسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وعبر الناقد الرباعي عن بالغ حزنه لوفاة القصيبي، مشيرا إلى أن رحيله سيسبب فراغا كبيرا في المجال الثقافي؛ نظرا لما يتمتع به الراحل من إنتاج غزير. وقال الرباعي: «لا نكاد نتفق نحن السعوديين حد الإجماع على موقف أو فكرة أو شخص قدر اتفاقنا على القصيبي، إذ لا يختلف اثنان على شخصيته الغنية بالمواهب وعقليته الزاخرة بالتفرد، وثقافته السابقة لعصره والمتجاوزة الأمصار، ووطنيته العبقة بحس الانتماء الواقعي، وفكره المنفتح الخلاق، ونزاهته مسؤولا تبوأ مناصب عدة خلق من فشلها نجاحا، ومن وجلها طمأنينة، ومن بهائها ونرجسيتها إنسانية تتأبى على وصف راث». ولعل أهم ما يلفتني في شخصية أبي يارا رحمه الله «قدرته على التوازن وضبط مشاعره بين واقعية تحتمها المسؤولية، وذاتية تفرضها إنسانية المبدع، حتى أكاد أجزم أنه من أوائل المسؤولين السعوديين الذين نجحوا في أداء مهماتهم الوظيفية بتجرد وإخلاص في حين حافظ على استقلالية المثقف ناثرا في نتاجه جل ما يعتمل في نفس شاعر غيور، وكل ما يختلج في قلب سارد مثخن بمتاعب الإنسان وهموم الوطن». وزاد «لا أخالني أبالغ إن قلت إنه مؤسس مدرسة المأسسة الإبداعية (الفرد جماعية)، فكأنه حين يكتب أو يقرر جماعة في واحد، وكأنه حين يستشعر ويتألم واحد وسط جمع، ما يعني أنه نوعي في كمه، كمي في نوعه، مجدد في أصالته كما هو أصيل في حداثته، مغامر في تناول القضايا العامة والهموم دون تهور، ماهر في نقده الساخر لمن شاء بالكيفية التي بها يشاء».