ازدهرت حضارات عدة عبر التاريخ، سادت، سمقت ثم اندثرت. حضارات ارتبطت بالمدن، بادت مخلفة من الأثار والحكم، فخلدت من المدن ما لم يزل حاضرا مثل: دمشق، بغداد، القيروان، أثينا، وروما، ومدن لم تبق إلا في المخيلة التاريخية كبابل، طيبة، وأسبرطة. وإن أمعنا النظر في خريطة العالم، نجد أن كل تلك المدن لم تحظ بتلك الوسطية الجغرافية التي حظيت بها مدينة مكة، التي وصفت بأنها مكرمة وأم القرى. هذا ما أثبته العقل البشري المحدود من خلال أبحاثه، إذ أثبت أن مكةالمكرمة تمثل مركز اليابسة في العالم. وبما أن العلوم الطبيعية والإنسانية تتداخل فيما بينها مكونة الوحدة العضوية للمعرفة الإنسانية الجزئية. ولكثرة العلوم الطبيعية والإنسانية، احتجنا إلى التخصص إلى أن أتى اليوم الذي أدركنا فيه أهمية التخصص الدقيق. لهذا، فقد تمازجت العلوم نحو علم الهندسة، المساحة، والخرائط والجيولوجية الهندسية لتضع أمامنا تكاملية متضافرة من الحقائق. ولتثبت مركزية مكةالمكرمة وبؤرة خطوطها تحدد توسطها لقارات العالم السبع، ما يحدد موقعها المكاني والزماني. وبذلك فهي أحق من مدينة غرينيتش الواقعة قرب لندن لضبط التوقيت العالمي. فهي مركز التجمع الإشعاعي للتجاذب المغناطيسي للكرة الأرضية. وهذا يدل على عظمة ومكانة هذه المدينة، فهي بذلك تمثل في هذا العالم ما يمثله القلب في جسم الإنسان. هذا، وإن لم يعترف العقل الإنساني المنحرف عن طريق الحق القويم، فالعقل المؤمن المسلم المهتدي يدرك أن هنالك مدنا من صنع البشر تزول بزوال قاطنيها، أي مدنا وضعية، وهنالك مدن مقدسة مثل: مكةالمكرمة، المدينةالمنورة، والقدس . والمدقق في معاني هذه المدن، يجد أنها تحمل أجمل وأنبل المعاني لأن إرادة المولى عز وجل، ارتضت رحمته أن تكون كذلك، لأنه أعلم بشؤون خلقه. لهذا اختارها الله تعالى أن تكون مكانا لبيته الحرام، وفضلت عن سائر المدن، ومركزا لظهور الدين وانتشاره في كل أنحاء العالم، بجانب مركزيتها كقبلة لكل المسلمين، ووجهة الناس ومهوى أفئدتهم، ومتجههم في الحج والعمرة. فوسطيتها الجغرافية تمثل وسطية الإسلام وقيمه الأخلاقية التي تنم عن لا إفراط ولا تفريط. [email protected]