منح الموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة دوراً مهماً لها منذ فجر التاريخ، حيث توسطت أرضها حضارات الصين والهند والحبشة وساحل الخليج العربي والبحر الأحمر والعراق والشام ومصر. كما كانت ممراً تجارياً مهماً وطريقاً للقوافل، وهو ما جعلها ملتقى للحضارات. وكانت المملكة موطناً للعديد من الحضارات التي ازدهرت داخل حدودها، مثل حضارات «المقر» و»مدين» و»عاد» و»ثمود» و»دلمون»، إضافة إلى الممالك العربية التي نشأت في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية على امتداد طرق القوافل التجارية، بعد ظهورها في الشمال الغربي من الجزيرة في الألف الثاني قبل الميلاد. وتؤكد الاكتشافات الأثرية وجود مستوطنات العصر الحجري القديم في الجزيرة العربية منذ مليون سنة قبل الميلاد، مثل موقع «الشويحطية» شمال المملكة. وعثر على دلائل لمستوطنات أخرى تعود للعصر الحجري الوسيط (50 ألف سنة قبل الميلاد) في مواقع عدة منها «بئر حما» في نجران. أثبتت المواقع المكتشفة أن الاستيطان البشري لم يقتصر على منطقة بعينها في المملكة خلال العصر الموستيري، بل كانت في معظم أنحائها، حيث اكتشفت العديد من المواقع مثل واحة «يبرين» الطبيعية، التي يرجع تاريخها إلى 30 ألف سنة قبل الميلاد، إضافة إلى استمرار الاستيطان في العصر الحجري الحديث (عشرة آلاف سنة قبل الميلاد)، ودليل ذلك موقع الثمامة في الرياض، حيث عثر على رؤوس سهام وأدوات تميزت باقتران غرضها الوظيفي بجوانب فنية وإبداعية. حضارة المقر يؤكد العثور على مكتشفات أثرية في مناطق مختلفة في المملكة وجود جماعات بشرية مستقرة قبل تسعة آلاف سنة تعتمد على تربية الثدييات والقطعان. ولعل حضارة «المقر»، التي وجدت في منطقة متوسطة بين محافظتي تثليث ووادي الدواسر، خير دليل على ذلك، حيث عاش الإنسان قبل التصحر الأخير، ومارس سكان المنطقة الزراعة وتربية الحيوانات. وعثر في الموقع على تماثيل لحيوانات متعددة استأنسها الإنسان الذي عاش في هذا الموقع، ومنها الخيل والضأن والماعز والنعام، مما يطعن في النظرية التي تقول: إن استئناس الحيوانات تم قبل 5500 سنة في آسيا الوسطى. احتضنت المملكة أول مراكز الاستقرار المدنية في الجزيرة العربية إبان الألف الثالث قبل الميلاد، وتركزت بواكيرها على طول ساحل الخليج العربي. وكانت «دلمون» مركزاً لحضارة مزدهرة، وكان مركزها في جزيرة تاروت في القطيف بالمنطقة الشرقية، وجزر البحرينحضارات سادت وبادت ازدهرت العديد من الحضارات في شبه الجزيرة العربية التي سادت ثم بادت، ومنها حضارة قوم عاد (4000 قبل الميلاد)، والذين بلغوا حداً عظيماً من القوة والسلطان. ومن الحضارات التي ظهرت في تلك الفترة حضارة ثمود، وبلغت حداً عظيماً من المدنية والازدهار في شمال الجزيرة العربية. واحتضنت المملكة أول مراكز الاستقرار المدنية في الجزيرة العربية إبان الألف الثالث قبل الميلاد، وتركزت بواكيرها على طول ساحل الخليج العربي. وكانت «دلمون» مركزاً لحضارة مزدهرة، وكان مركزها في جزيرة تاروت في القطيف بالمنطقة الشرقية، وجزر البحرين. وتضم جزيرة تاروت قلعة تاروت الشهيرة، التي تنتصب شاهقة وسط غابة نخيل وسط الجزيرة، شاهدة على حضارة «دلمون» العريقة التي شهدتها المنطقة الشرقية، وتعكف الهيئة العامة للسياحة والآثار حالياً على تطوير القلعة والمحافظة عليها، لتكون وجهة سياحية يقصدها زوار المنطقة من مختلف المناطق والدول المجاورة. الممالك العربية أسهم وجود ممر تجاري وطريق للقوافل في المملكة في قيام ممالك عربية. وأنشأت شعوب تلك الممالك دولاً على امتداد طرق التجارة، بعد أن توطدت العلاقات التجارية ين مناطق الشرق الأدنى وشرق أفريقيا وجنوبي آسيا والجزيرة العربية. وأنشأت شعوب مدين وأدوم وقيدار ولحيان وكندة والأنباط ومعين دولاً لهم، وشيد الملوك مدناً، وأقاموا نظماً واسعة لري حقولهم ومزارعهم. وتم إنشاء مدن الممالك العربية المبكرة في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية، وظهرت أولى هذه المدن في الشمال الغربي من الجزيرة العربية في الألف الثاني قبل الميلاد، وعرفت باسم مملكة مدين التي تلتها مملكة أدوم، ثم قيدار. وازدهرت حضارة مدين، وهي من الحضارات البائدة في شبه الجزيرة، وانتشرت في إقليم يمتد إلى الشرق والجنوب الشرقي من خليج العقبة، إلى شمال غرب مدينة تبوك. وكانت واحة العلا موطناً لمملكة لحيان، وازدهرت بفضل قيام أهلها بالجمع بين الزراعة والتجارة والعمارة والنحت. وترك اللحيانيون، الذين استمرت مملكتهم من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، نقوشاً وأعمالاً فنية تدل على تفوقهم، وبراعتهم في الزراعة والتجارة. هيمنة الأنباط في القرون الأخيرة من الألف الأول قبل الميلاد، ظهرت مملكة الأنباط، التي حلت محل الممالك المتعاقبة، ومن أهم آثارها البتراء في الأردن، والحجر (مدائن صالح) في المملكة. وتعد الحجر المدينة الثانية للأنباط بعد البتراء، وتبرز الآثار النبطية في المواقع المتمثلة في المقابر المنحوتة في الصخر وأماكن النشاط الاجتماعي في جبل أثلب والمحاريب المنحوتة في مواضع متفرقة على الواجهات الصخرية، إضافة إلى الآبار المنحوتة في الصخر وأنظمة تجميع المياه. ويعد موقع الحجر أحد أهم المواقع الأثرية في المملكة، بل اعتبره عدد من علماء الآثار أهم آثار الجزيرة العربية قاطبة. ويضم الموقع عدداً من الآثار الإسلامية مثل قلعة الحجر الإسلامية، ومحطة سكة حديد الحجاز، ويطلق علماء الآثار على مدائن صالح المتحف المفتوح. ولأهمية موقع الحجر، فقد تم تسجيله في قائمة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، باعتباره قيمة استثنائية للتراث الإنساني. وبدأت مملكة الأنباط في التدهور والانهيار إلى أن تم تصفيتها في بداية القرن الثاني الميلادي لتكون نهاية الممالك العربية الوسيطة في شمال غرب الجزيرة. ومن الممالك العربية التي ظهرت أيضاً في السعودية، مملكة كندة، التي قامت في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت عاصمتها قرية ذات كهل (الفاو حالياً)، وتقع في منطقة الرياض، ووصل نفوذها إلى شمال منطقة نجد. العصر الإسلامي كان ظهور الإسلام منعطفاً حاسماً في تاريخ شبة جزيرة العرب، حيث قامت الدولة الإسلامية في المدينةالمنورة، وتوسعت وامتدت لكل موقع وصل إليه الدين الإسلامي. ولم تكن الجزيرة العربية بمنأى عن التطور الحضاري بعد انتقال مركز الخلافة الإسلامية إلى بلاد الشام والعراق. وكشفت الدراسات والبحوث عن مدن ومواقع أثرية تعود إلى عصر النبوة مثل موقع «جواثا» ومسجده المشهور في الأحساء، وكذلك كتابات ونقوش منذ زمن الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين منتشرة في مواقع مختلفة من المملكة. كما تنتشر مئات المواقع الإسلامية المنتشرة على امتداد طرق التجارة والحج، مثل محطات وبرك درب زبيدة المنتشرة على طول الطريق من العراق إلى مكةالمكرمة. ويعد موقع الربذة، شمال المدينةالمنورة، أحد أبرز هذه المواقع، وكذلك المواقع المنتشرة على طريق الحج المصري وطريق الحج الشامي وطريق الحج اليمني، وموقع المابيات بالقرب من مدينة العلا، وفيد في منطقة حائل. مجسم لخيل وجد في موقع أثري في المملكة مما يشكك في أن الاستئناس بالحيوانات تم قبل 5500 سنة في آسيا الوسطى