استحوذت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى بيروت على اهتمام الصحافة اللبنانية التي أفردت عناوينها الرئيسة للزيارة، إضافة لتركيز معظم المحللين في مقالاتهم على الزيارة وأبعادها. صحيفة "المستقبل" أفردت صفحة كاملة حول إنجازات خادم الحرمين الشريفين في داخل المملكة وخارجها، وكتب «عمر حرقوص» تحت عنوان «الملك عبد الله بن عبد العزيز .. إعادة إحياء دور الاعتدال العربي إقليميا»، فقال: «تستعد بيروت لاستقبال خادم الحرمين الشريفين في زيارة تتقاطع مع تبدلات كبيرة تحصل في المنطقة وهي زيارة أقل ما يقال فيها إنها تاريخية بسبب حصولها على مفترق طرق كبير». فيما كتب المحلل السياسي في الصحيفة نفسها «علي نون» وتحت عنوان «ملك العرب»: «جاحد كبير من «يتطاول» على الواقعتين الآتيتين يا إخوان: في العام 1989 تدخلت المملكة بكل ثقلها وحجمها ودورها وإمكاناتها وتاريخها ونبلها وكرمها وأوصلت اللبنانيين إلى اتفاق الطائف الذي صار دستور البلاد، وأنهى مأساتها التي عصت على كل حل، وقاومت بشراسة كل مبادرة لإنهائها وإطفاء نارها الوقادة. ولا تهم كثيرا في هذا المقام، الحسابات والقراءات والمفردات السياسية الذاهبة إلى القول بأن المسرح الإقليمي والدولي كان مهيأ لتلقف ذلك الإخراج في ضوء بدء تداعي الحرب الباردة وغير ذلك من تفاصيل إقليمية مهمة وخطيرة، بل المهم هو أن المملكة تولت ذلك الدور وسعت إليه ووصلت في سعيها إلى ما تريد فيما غيرها فشل مرة واثنتين وثلاث وعشر. والثانية هي أنه ما كان يمكن إيقاف المسار الانقسامي الانحداري الخطير الذي ضرب العرب والمسلمين في أكثر من محطة لولا الخطوة الاستثنائية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت في كانون الثاني عام 2009. تلك الخطوة التي أقامت سدا أمام طوفان التشظي والانقسام، ووضعت حدا لمسار استفادت منه إسرائيل قبل غيرها، وترجمت تلك الاستفادة مرة في لبنان وأخرى في غزة، وكادت ويلاته أن تسرح في طول الدنيا وعرضها. وجاحد ناكر للجميل وأهله، ومزور للتاريخ وأحداثه من يهون من دور واقعة قمة الكويت تلك في بدء خروج لبنان من أسر أزمة كادت تحول حروب ما قبل الطائف إلى نزهات صيفية مقارنة بالصقيع التمويتي الذي كانت تحمله. لم يفعل الملك عبدالله بن عبد العزيز في تلك القمة شيئا خارج مألوف بلاده، وسيرة المؤسس الراحل المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود، السيرة المسورة بمكارم الأخلاق ومثل الأنقياء والأتقياء، والمحروسة بكلمة الله العليا وعطاياه. ولم تكن مبادرته آتية من خارج سياق معروف ينشد الوحدة مقابل التشرذم، والجمع مقابل القسمة، والألفة مقابل الفتنة، والإعمار مقابل الهدم، والحق مقابل الباطل. سياق الساعي مع سراة الليل وتحت ضوء الشمس إلى إعلاء شأن العرب والمسلمين أينما كانوا تحت ذلك الضوء أو كنف عتم ذلك الليل، والباحث أبدا عن سبل استعادتهم حقوقهم المسلوبة كائنا من كان سارق تلك الحقوق. فعلها الملك عبد الله بن عبد العزيز معنا ومع بلدنا من دون منة. وفعلها أيضا مع الفلسطينيين عندما وحدهم في مكةالمكرمة قبل أن يأتي غيره ليعيد تقسيمهم بحثا عن موطئ قدم لمشروعه الإمبراطوري وأحلامه النووية. فعلها كما فعلها أسلافه في مملكة الخير والحكمة وموطن السلف الصالح. وهو مرة أخرى يأتي من مسار ذلك السلف وسيرة تلك الحكاية الخالدة أبد الدهر، النابتة خضرة وضاءة لا تحرقها الشمس ليعيد الحضور إلى دور يتلهف لصون السلم الأهلي اللبناني وحفظه ودرء الرزايا والكوالح عنه، ولا شيء آخر، والسلام». فيما كتب فيصل سلمان تحت عنوان «عبد الله»: الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك السعودية، هو من دون شك حكيم العرب، هو رجل من طينة مختلفة، رجل عقل وبصيرة، رجل انفتاح ورؤية، سمعنا الكثير عنه منذ كان يأتي لفصل الصيف في لبنان أيام شبابه، وعايشت مواقفه منذ كان وليا للعهد ثم ملكا، قال لي عارفوه إنه عربي حتى النخاع وقالوا إنه كمن يحمل أثقال الأمة على كتفيه، منذ توليه الحكم، أطلق العنان لبلده، انطلقت حركة تعليمية ثقافية فكرية واسعة، التفت إلى إخوانه في الخليج العربي فأرسى علاقات صحية ومتينة مع الدول المجاورة للمملكة منهيا بذلك فترة إشكالات معقدة. ثم التفت إلى الدول العربية ساعيا إلى حل الخلافات ما بينها، إلى أن أطلق مبادرته الشهيرة الأولى التي باتت تعرف بمبادرة السلام العربية. لم يكتف بذلك بل أطلق المبادرة الثانية التي باتت تعرف بمبادرة حوار الأديان والحضارات. في سعيه الدؤوب لفض التباينات العربية بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز مرارا وتكرارا إلى مصالحة الفلسطينيين وقدم لفلسطين ما لم يقدمه أحد. أما بالنسبة للبنان فالحديث يطول، إن صح القول، قلنا، إنه تبنى لبنان، لم يبخل عليه بشيء على الإطلاق. وهل من أحد ينسى كيف بادر إلى مصالحة عربية عربية خلال قمة الكويت الاقتصادية؟ قام مصافحا الجميع. زار مصر، زار سوريا، زار قطر، زار اليمن، وزار الأردن. ها هو اليوم من جديد، في مصر، في سوريا وفي لبنان وبعدها في الأردن.لماذا هذا التعب؟ لأنه مؤمن بعروبته ويدرك أي عدو هي إسرائيل..رجل، والرجال قليل. من جهتها مارلين خليفة كتبت في صحيفة «السفير» فقالت: «فريق رئيس الحكومة يعلق أهمية قصوى على زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز لما تشكله المملكة من حاضنة سياسية واقتصادية أولى لهم، فإنها تدرج الزيارة في إطار عملية التنسيق السعودي مع أربعة بلدان سيزورها الملك عبد الله وهي مصر، سوريا، لبنان، والأردن. وتضيف خليفة: «الملك عبد الله لطالما ردد بأن على اللبنانيين ألا يتصرفوا كطوائف، بل كأبناء وطن واحد، وبالتالي لا نرى اليوم أننا في أزمة تحتاج إلى معالجة كما زمن اتفاق الطائف أو الدوحة، لكن خادم الحرمين كقائد عربي تهمه مساعدة لبنان إذ لزمت المساعدة».