لم يكتب الله لأبي وأمي إنجاب سواي، فقد ولدت وحيدة وعشت حتى كبرت وبلغت العشرين من عمري وأنا وحيدة، وتوفيت والدتي وأنا وحيدة أيضا، ومنذ وفاتها تحولت حياتي أنا ووالدي الذي لم يتحمل صدمة فراقها فأصيب بجلطة جعلته لا يستطيع التواصل مع الآخرين، هذه الظروف التي أحاطت بي من كل صوب جعلتني أعيش في مشكلات أسرية ونفسية، وهذه المشكلات أحدثت لي ضغطا نفسيا وضغطا عاطفيا، بسبب وحدتي وعدم اختلاطي بالآخرين، ورغم أنني منطوية على نفسي لكني في كثير من الأحيان أشعر بحاجتي إلى العاطفة والحنان والتعايش مع الآخرين، وأجلس أفكر مع نفسي لماذا أنا منطوية ولماذا لا يكون في حياتي علاقة حب كأي فتاة؟ لكني سرعان ما أتوقف عن هذا التفكير الذي يتعبني كثيرا، وجعلني أعيش في حيرة شديدة من أمري؟ وأصبحت أعاني من اضطرابات في النوم؟ ماذا أفعل حتى أتجاوز معاناتي هذه؟ علما أن وضعي لا يسمح بالخروج من المنزل أو الالتحاق بأي شيء؟ نور جدة تأكدي يا بنيتي أن المسلم الواعي لفلسفة وجوده في هذه الدنيا يدرك جيدا أننا نعيش في دار ابتلاء وليس في جنة، والظروف التي تعيشينها لاشك أنك لم تختارينها، ولست مسؤولة عن هذا النقص سواء من ناحية عدم وجود إخوة أو أخوات أو من حيث غياب والدتك من حياتك، ويمكنك التوقف عند هذا السؤال: ما الحكمة من حرماني من الأم والأخ والأخت، وبقائي وحيدة مع أبي المريض؟ عندها ستجدين أنك في وضع تستطيعين كسب الأجر الكبير، وكل ما تحتاجينه هو منح هذا الأب ما يحتاجه من رعاية، وتخلصين النية في ذلك لله، وتأكدي أن الله لن يخزيك أبدا ولن يتركك، فهو الذي وضع قاعدة تقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، أما المخرج فهو مصطلح عام يشير إلى كل باب يخرج منه الفرد حين يقع في المآزق، وأما الرزق فقد يكون مالا وقد يكون مشورة وقد يكون شخصا وقد يأخذ صورا شتى، لذا نصيحتي لك إخلاص النية لله أولا في رعايتك لوالدك، والبحث عن سبل جديدة لملء وقتك بما ينفع، والتقليل من مشاهدة ما قد ينعكس عليك سلبا، مع التأكيد على والدك بأن يتيح لك فرصة التواصل مع بعض أقاربك وبالأخص حين يكون بيتك هو مكان اللقاء بهم، كما يمكن للزيارات المشتركة التي تقومين بها مع والدك لبيوت الأقارب دورا في التخفيف عنك وعنه من الشعور بالوحدة والضيق، ولا تنسين اللجوء لله سواء كان ذلك عبر الصلاة، أو عبر قراءة القرآن أو عبر قيام الليل الذي يعتبر وسيلة رائعة لتفريج الكربات والتخلص من الضيق والهم. فما تعانينه وتشعرين به يا ابنتي هو أمر عادي جدا بسبب عيشك لوحدك وانطوائك على نفسك وعدم إشغال نفسك بما يفيدك، إضافة إلى استسلامك للظروف الداخلية في المنزل التي بدأت مع موت والدتك وسقوط والدك مريضا، وحتى تتجاوزي معاناتك هذه عليك أن تنسي كل ما حدث في الماضي وأن ترسمي لنفسك طريقا مفروشا بالسعادة وأن تغيري من أسلوب حياتك من خلال الاحتكاك بالآخرين والتعايش معهم، وستتغير كثيرا عندما تجدين ابن الحلال الذي بالاقتران به ستتحول إلى الأفضل.