في الأيام الماضية، استنكرت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان على لسان المتحدث الرسمي باسمها، فرض السفارات الغربية شروطا مجحفة بحق السعوديين الراغبين في الحصول على تأشيرة سفر لتلك البلدان، واعتبرت أن شرط إحضار كشف الحساب البنكي لآخر ستة شهور، يعد خرقا وانتهاكا لخصوصية المعلومات الشخصية المحمية بالأنظمة المحلية والدولية، ولأجل وقع «المجاملة» أقول: هذا تحرك جيد وإيجابي وتسجيل حضور لجهة تبحث في الشأن الحقوقي العام والخاص، وأؤمن كغيري برسالتها السامية والتوعوية؛ معتقدا أن كثيرين طالهم أذى الاشتراطات التعجيزية للحصول على تأشيرة سفر لدخول أمريكا أو أوروبا، التي تدفعنا إلى أن نلهج بالدعاء لجميع «المعقبين» في وكالات السفر بأن لا ينقطع ذكرهم والتواء طرقهم وحجوزاتهم الوهمية من أجل تزويدك بال «الشنجن». وبعيدا عن المجاملة، اكتشفت أن الجمعية المعنية بنشر الوعي الحقوقي طالها ما طال المجتمع في إنهاك أكثر المصطلحات المهترئة تحت اسم «الخصوصية»، إذ تميزنا بقدرتنا الفائقة على اختراق الخصوصية باسم الخصوصية، ولم لا.. أليس نشيدنا المفضل «نحن مجتمع له خصوصيته»؟، ولذلك منحنا المصطلح تقسيمات متعددة لا توحي إلا بمساحة التناقض الكبير في تعاملنا معه، ففي الوقت الذي نعتبر فيه شرطا واضح المعالم اتخذته دول ذات سيادة بمثابة الانتهاك والخرق للخصوصية، نغض الطرف المليح عن التلصص والتجسس والتعدي على الممتلكات والمطاردة بحجة الشك أو الظن، رغم تعارضها مع الأنظمة واللوائح، ولا نعتبرها خرقا وانتهاكا لخصوصية البشر، وهنا يبدو حجم الفارق لتحويرنا الاجتماعي لمفهوم الخصوصية، الذي جعلناه شعاراتيا بدلا من كونه قانونيا. المسألة التي انزعجت منها جمعية حقوق الإنسان، تعد اقتحاما خياريا يعود إلى قناعة واحتياج المتقدم بالطلب، إن رغب فليتقدم وإن شعر بأن المسألة فيها انتهاك لخصوصيته فليتوقف، لكن مشكلتنا مع الاقتحام القسري القائم على مبدأ «عجبك ما عجبك مو على كيفك» فلا يوجد لديك إلا خيار الترحيب وكأنك حرز مشاع وجدار قصير ينظر العابرون إلى ما خلفه، فحينما يتم اعتراضك في مكان عام بحجة ظنية لا قطعية ويصادر هاتفك الشخصي لسبر أغواره ودهاليزه، أو تنهال عليك الأسئلة الخاصة تحت ذريعة التثبت بمن معك، أو تهطل عليك الرسائل الدعائية والترويجية على هاتفك دون إذن منك... فهذا أمر اعتيادي لا علاقة له بالخصوصية التي نتحدث عنها. المشكلة ليست في تعاملنا الانتقائي مع الخصوصية، وإنما في روح القانون الذي بانتعاشه يتطور الوعي الاجتماعي، وفي غيابه تصبح الأنظمة نصوصا مجردة عن الحياة العامة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة