أتأمل ما ينهمر على بريدي من رسائل تطالب بالاستمرار في الكتابة عن البطالة، وكأن عمود كاتب يومي قادر على إحداث المعجزات فيما يبدو أنه نقطة في بحر عذاب البطالة وهمومها. حال الخريجين العاطلين على مستوى بلادنا يذكرني بمشهد متكرر للحيرة أقرب إلى إنسان يغتاله انتظار وترقب شيء ما، قيل له يوما إنه سيحقق له حياة كريمة ويكفيه شظف العيش، كمن يقطف أوراق ورد الأيام ورقة ورقة وهو يردد «توظيف أو بطالة، تعاقد أو تعيين.. إلخ». قلق وحالة ارتباك عامة لأجيال تتكدس، ألم يكتب وينشر حتى يومنا ما حرك الإحساس بخطورة هذا التراكم واحتمالات نتائجه الأسوأ، اعتصام الخريجين في الرياض الأسبوع الماضي جسد مشهدا مأساويا كأقسى ما تكون المأساة. كانت أوراق الورد التي يقطفها المعتصمون من نوع آخر، يرددون أثناء قطافه مرارة ضياع أكثر من أربعة أعوام انتظارا ووعودا «اعتصام.. وعد.. وعد.. اعتصام»، أخشى أن تكون الاعتصامات لاحقا مصير جيل مأزوم، بدلا من البحث عن شريكة العمر والزواج والانشغال بتسديد الأقساط إلخ.. «يتسدحون» على الأسفلت تارة في جدة وتارة في الرياض، ليحصلوا على حقهم في العمل!. «وعد» وزارة التربية ينهي تجمهر «المتعثرين» بعد 72 ساعة.. هذا خبر «عكاظ»، وتناثرت أخبارهم على صدر صفحات الصحف، مع صورهم والشمس تضرب بشراسة أجسادهم البائسة، ترى والدة ذلك الخريج وأسرته كيف كانت مشاعرهم والأرصاد الجوية حذرت من ضربات الشمس المؤدية إلى الوفاة، وسط درجات حرارة تبلغ 50 درجة.. ضربت الشمس أربعة منهم!. سيكون لدينا تصنيف جديد بعد الوفاة بسبب حوادث المرور أثناء السفر والتنقل لإجراء اختبار «قياس» وغيره من الإجراءات، المرتبة الثانية للموت انتحارا، وربما يحتل الموت بسبب ضربة شمس أو نزلة برد التصنيف رقم ثلاثة في عالم الوفيات بين شريحة خريجي 27 28. يحدثني أحدهم والانكسار وقهر الرجال ينضح من كلماته، مؤكدا أن ما نقلته الصور حقيقة تصفعنا، وأنهم اختاروا النوم في الشارع!، باتوا في العراء، افترشوا الأرض، تلحفوا السماء، وبقطع وعد جديد عادوا إلى منازلهم، الوعد شهر شوال المقبل.. لا توجد لديهم ثقة في ما قطع من وعود. بقدر ما أتمنى طوي صفحة هذه الدفعة، بقدر ما أتمنى أن يقطع رجاؤهم في حال عدم القدرة على التوظيف، وألا يقال لهم إن دورات تدريبية لتأهيلهم على أمل أن يجتازوا «قياس» تنتظرهم، لتصلح ما أفسده التعليم المترهل وترتق شقوقا بالية ليس لهم ذنب في إحداثها، أتمنى ألا يحل شهر شوال جالبا معه البؤس ورائحة الموت والاعتصامات.. والوعود!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 239 مسافة ثم الرسالة