عزلة، مرارة، وحدة، ألم، غربة. لا جليس إلا الأحزان، ولا رفيق إلا الذكريات. حكايات كثر تتدفق من قلب المواطن يحيى سراني (58 عاما). يرجع سراني بشريط ذكرياته إلى يوم وفاة والده في المستشفى، أو عقبه بأيام قضى شقيقه دهسا على طريق مكة القديم، ثم لحق بهما شقيقه الآخر الذي وافته المنية أثناء نومه، فوالدته بالطريقة ذاتها أثناء نومها أيضا، ليعيش وحيدا بعد تساقط أفراد أسرته الواحد تلو الآخر. نحى سراني أوجاعه جانبا وحاول العودة إلى الحياة من باب العمل والتحق بمستشفى مستخدما، في مستشفى ابن سيناء الحكومي في حداء ليعمل خادما لمرضى الجذام، ولم يجد منزلا يؤويه بعد أن ضاقت به الدنيا سوى سيارته (الكرسيدا) القديمة موديل 80، التي حولها مسكنا، بعد أن تعطلت محركاتها. وكان سراني القادم من صامطة (مسقط رأسه) جنوبي المملكة، تعرف أثناء عمله في المستشفى على فتاة صومالية، فتزوجها وأنجب منها ثلاثة أطفال: أمل، محمد، ونوال (11، 10، 9 أعوام) «يعيشون الآن مع والدتهم في بحرة إثر طلاقها منه». يقول سراني، والألم يعتصر قلبه المليء بالهموم والأوجاع: «حضرت مع والدي ووالدتي وشقيقي إلى حداء وكان عمري آنذاك 15عاما، ولما كان جميع أفراد أسرتي لا يعملون، كان أهل الخير يدفعون عنا الإيجار ويحضرون لنا الطعام». وذكر سراني: «تزوجت بالمرأة الصومالية دون الرجوع إلى الأنظمة، فأحضرت شهودا وكتبت ورقة وتزوجتها، وعند مراجعتي مستشفى الملك عبدالعزيز لاستخراج بلاغ لابني، حولت إلى الشرطة وحققوا معي، كوني تزوجت بطريقة غير نظامية، ولعدم وجود عقد نكاح أو بلاغات ولادة ولا كرت عائلة، فسجنت لمخالفتي النظام، وعند خروجي من السجن فصلت من عملي». وعلى إثر طرد يحيى من عمله تصاعدت الخلافات مع زوجته حتى بلغت الطلاق، وأضاف قائلا: «أخذت أطفالي وسكنوا معي في السيارة، فلم يتحملوا شدة الحر والجوع فطلبت من أمهم أن تأخذهم للعيش معها في المنزل الذي استأجرته في بحرة». سراني، الذي عانى قسوة الحياة ومرها يحلم بمنزل صغير يؤوي أطفاله، ويمكنه من رؤيتهم يوميا ويسجلون رسميا.