الشوق يشدها دائماً إلى الأفق، يصطحبها في صورتها التي خبرتها قبل أن تلازم هذا المقعد المتحرك، ذاك الشوق الكبير إلى تلمس قدميها، والوقوف بهما من جديد، تضع يدها على ساقيها وتتساءل.. متى تعودي كما كنت وتمنحيني الحياة؟، إنه التوق الذي كبر بداخلها، وتسلق في أغصان الروح حتى أصبح شجرة من الليمون الحامضة التي تستطعم حموضتها كلما وجدت الآخرين يقفون ويتحركون على قدميهم دون جهد.. حاولت كثيراً أن تمد يديها لغيوم عابرة في السماء.. صلّت كثيراً أن تترك قدميها دون بتر، دون أن تفقدها يوماً رغم العجز الذي سكن بهما. وجه هذه الفتاة الشابة.. مازال يحيطه الخوف.. من أن تودع ساقيها للأبد بعد معاناة دامت أكثر من 30 عاماً، فالأطباء قرروا بتر الساق؛ لعدم إمكانية علاج الركبة لديها حتى ترتاح من أوجاعها المتكررة التي تتعبها، لكنها مازالت تصر أن هناك أمل يخبئ خلف وسادتها، يلامس عينيها في نومها لكنه يتبدد حينما تصحو.. حكاية الركبة التي أثقلتها تعود إلى تعرضها لكسر في أسفل عظمة الفخذ ونتيجة تجبيرها بشكل منحرف حتى تماسك العظم بشكل انحرافي تم اكتشافه متأخراً؛ مما سبب لها آلاماً شديدة وعند مراجعتها لنفس المستشفى التي تمت به عملية التجبير أخبروها أن الحل الوحيد هو بتر الساق مع مفصل الركبة، ولكنها رفضت وعرضت نفسها على بعض المستشفيات الحكومية الأخرى فقرروا أن الحل الوحيد لإيقاف الألم هو بتر الساق، ولكنها رفضت ذلك وفضّلت البقاء على تناول الحبوب المهدئة طوال20 عاماً، وبالرغم من أن تلك الحبوب تسببت لها بقرحة في المعدة نتيجة الاستخدام الطويل لها، إلاّ أنها مازالت تصر على أن تصاحب قدمها المريضة عل أن يكون هناك باب فرج تدخل منه لتجد علاجاً متقدماً يساعدها على أن تنجو بقدميها دون "بتر" تفكر بذلك وهي تعلم أن أوجاعها أكبر من أن تحتمل، لكنها ترفض إلاّ أن تحمل الوفاء لقدميها لإيمانها بأن هناك من سيقدم لها مساعدة الشفاء بعد الله، مناشدة الجهات المعنية بالتدخل وإنهاء أزمتها التي لازمتها طول حياتها ومساعدتها كذلك في إيجاد منزل يؤويها وأسرتها في الدور الأرضي، حيث إنها تسكن بشقة في احد الأدوار العليا ويصعب الصعود اليه إلاّ بمساعدة الآخرين.