جاءت نصوص الكتاب والسنة متضافرة في إقرار هذا المبدأ الإنساني النبيل، ودعت إلى إعماله بين الناس وبث روح التسامح لما يترتب عليه من نتائج إيجابية، فقال سبحانه مبتدئا بنفسه تجاه من ارتكب أعظم ذنب في الوجود عُصي الله فيه وهو الكفر به (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)، وندب عباده إلى العفو فقال سبحانه (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، وقال لنبيه عليه السلام (خذ العفو..)، وقد طبق النبي الكريم هذا تطبيقا تاما فقد عفا وعفا حتى عفا عن أعظم أعدائه الذين أخرجوه من بلده ونصبوا له العداء، وذلك في فتح مكة حينما مكنه الله منهم قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وتالله لو وُقف عند الفوائد التي يمكن أن تؤخذ من هذا العفو لألفت في ذلك مجلدات. وقال سبحانه في حق الصديق رضي الله عنه (.. وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم). فالعفو صفة يحبها الله، يتجلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة:... قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. هنا أمر لعله يخفى على الكثير من الناس أشير إليه راجيا أن أفيد القارئ الكريم، ألا وهو: أن البعض يخطئ في فهم العفو فيعفو في موطن لا يحسن العفو فيه، أو يترتب عليه مضرة كبيرة إما بالعافي نفسه أو بأحد من الناس، ولذا فلا بد في العفو من مراعاة ما يلي: 1 أن يكون العفو بعد المقدرة وليس قبلها، وإلا كان عجزا في أخذ الحق، فإن عفا قبل بيان الحق والانتصار فقد أضر بنفسه إن كانت المسألة شخصية، وإن كانت المسألة جماعية فقد أضر بالجماعة، والطامة الكبرى إن كانت المسألة شرعية فقد أضر بالإسلام. 2 لينظر من يريد العفو، هل في العفو إصلاح للمعفي عنه، أو لغيره أم لا؟ فإن كان فيه إصلاح عفا وإلا فلا، فالله تعالى اشترط لجزاء العفو أن يكون فيه إصلاح، فقال سبحانه (فمن عفا وأصلح فأجره على الله ...) يفهم من هذا أن من عفا ولم يصلح فليس أجره على الله. 3 يجب على العافي عدم المنة على المعفي عنه وتذكيره المرة تلو الأخرى بذلك العفو تصريحا أو تلميحا، أو ذكر ذلك في مجالس الناس، بل يجب عليه الإعراض التام واحتساب الأجر في ذلك، ويحسن إظهار أن المنة للمعفي عنه على العافي لأنه نال من خلال عفوه له على الأجور الكثير من الله والذكر الحسن والثناء الجميل من عباد الله. [email protected]