يترقب سكان الأحياء الواقعة شرقي الطريق السريع في مدينة جدة برؤى معالجة مكامن الخلل والضعف الضاربة أطنابها في تلك الأحياء. وتغيب أبسط ملامح التخطيط عن الأحياء العفوية شرق الخط السريع ابتداء من الأحياء الجنوبية، وتقل عشوائيتها شيئا فشيئا باتجاه الشمال، إلا أنها تشترك جميعا سواء العشوائية منها أو تلك المخططة رسميا من قبل الأمانة، في جملة من السلبيات أبرزها وقوع معظمها على مجاري الأودية، وسط ضعف صريح في مشاريع تصريف السيول ودرء مخاطرها حيث تختفي عن بعضها وتظهر على خجل في بعضها الآخر. وفي حين تغيب شبكات مياه التحلية عن الأحياء الجنوبية (كيلو14، كيلو11، أم السلم، الحرازات، المحاميد، المنتزهات، وأجزاء من قويزة) تشكو الأحياء الشمالية (السامر، التوفيق، الأجواد، المنار، والسالمية) من تهديدات بحيرة الصرف الصحي رغم الحلول القائمة حاليا لمعالجتها، وما بين النقيضين ما زالت بعض الأحياء تنمو عشوائيا في كل الاتجاهات كوادي مريخ. سالم القرني من سكان الكيلو14 يقول: «جاء شمول الحي ضمن عشوائيات جدة الخاضعة للتطوير كبادرة أمل عسى أن تعيد لساكنيه التوازن المفقود في ظل غياب المخططات الرسمية لمنازلة التي أنشئت بشكل عفوي منذ عشرات السنين، الأمر الذي حتم غياب العديد من الخدمات البلدية أولاها السفلتة والرصف والإنارة كأساسيات تبعها غياب المدارس ذات المباني النموذجية وشبكات التصريف والمياه، وغيرها من المرافق الحكومية ومن بينها بكل تأكيد مرافق الترفيه والحدائق والمتنزهات التي تعد ضرورة ترويح ومتنفس لاغنى عنها لمختلف التجمعات السكانية». وغير بعيد عن القرني وتحديدا في أشياب عين العزيزية التقت «عكاظ» بالعم مجحود الغروي من سكان حي الكيلو11، وبديهيا كان تزويد الحي بشبكات مياه التحلية أبرز مطالبه كضرورة ملحة، في حين أبدى علامات الرضا والواقعية حول مستوى الخدمات البلدية الأخرى بالنظر إلى عشوائية البناء والتمدد العمراني الشعبي، مؤكدا أن أبرز مساوئها تمثلت في تشكيلها غطاء للجريمة والتجاوزات النظامية، إلى جانب صعوبة وصول سيارات الخدمات العامة كالإسعاف والدفاع المدني وصهاريج المياه إلى داخل تلك الأحياء بسبب ضيق مساحات شوارعها الداخلية. ومرورا بحي المنتزهات ووصولا إلى حي قويزة باتجاه الشمال، كانت شبكة الشوارع الداخلية واهتراء طبقاتها الاسفلتية أبرز سلبيات الحي وما يسببه ذلك من اختناقات مرورية، خاصة وأن الحي يعد نقطة التقاء تجمع عدد من الأحياء الشرقية ومن ثم نقطة توزيع نحو مختلف الجهات، بالإضافة إلى غياب الخدمات العامة كما هو الحال في الأحياء السابقة. أما في حي قويزة الذي شهد أسوأ فصول كارثة سيول الأربعاء الأسود قبل نحو ثمانية أشهر، التقينا مغرم الغامدي الذي قال: «بشكل عام بدأ مستوى الخدمات البلدية بالتحسن بشكل عام وإعادة تأهيل ما أفسدته سيول شهر ذي الحجة الماضي، وتدعيم الحي بالمشاريع الخدمية التي من شأنها حماية ساكنيه من تكرار مأساة السيول»، وأضاف «هناك بعض أوجه القصور التي لم يتجاوزها الحي بعد؛ كضعف مستوى النظافة والتي تختلف درجاتها باختلاف وتباعد المواقع في أرجاء الحي، خاصة أن بعضا من أجزائه بنيت بشكل عشوائي فيما بعضها الآخر بني وفقا لمخططات هندسية نظامية صادرة عن الأمانة، وتظل مشاريع درء مخاطر السيول ضرورة لا غنى عنها لضمان عدم تكرار المأساة، فيما سيكون الرفع من مستوى الخدمات البلدية الأخرى أسهل مما هو عليه الوضع حاليا». وبينما تحاصر العشوائية ومخاطر السيول منازل حي وادي مريخ الواقع في الجهات الداخلية شرق الطريق السريع، تقطع المستودعات ومصانع السيراميك والرخام الطريق وسط مجاري الأودية المنحدرة جغرافيا نحو الغرب في طريقها إلى البحر الأحمر، مشكلة حواجز اصطناعية ستغير من اتجاه جريان السيول وقت هطول الأمطار، وهو ما من شأنه إلحاق الضرر بالأحياء المجاورة وحتى تلك الواقعة ضمن حزام النطاق العمراني غرب الطريق السريع. وفي موقع مجاور تقع منازل حي السالمية ضمن دائرة خطر بحيرة الصرف الصحي، ويشير عبيد المغامسي من سكان الحي إلى ذلك التناقض العجيب الذي تعيشه أحياء السالمية والسامر والتوفيق والمنار وما جاورها من وقوعها داخل دائرة خطر بحيرة الصرف الصحي، فيما تغيب عنها شبكات التصريف، في وقت ارتفع فيه منسوب المياه الجوفية إلى مستوى أقلق السكان حيث بدأت بالظهور على سطح الأرض في أكثر من موقع ضمن نطاق تلك الأحياء». ويعتبر ممدوح الحربي من سكان حي التوفيق أن الأحياء لم تدرج ضمن الخطط التطويرية وجدولة المشاريع في الأمانة، بدليل غياب شبكات الصرف والتحلية، في حين تقع بحيرة الصرف الصحي والسد الاحترازي على مقربة من منازل السكان، كما لا يمكن نسيان ما عانته تلك الأحياء من تلوث بيئي إبان مشكلة مردم النفايات القديم وما شهده من حرائق، وللأسف فإن الموقع الجديد لم يبتعد كثيرا عن منازل السكان وفي حال استمرار وتيرة النشاط العمراني على ما هي عليه حاليا فإن منازل السكان ستصل إلى مشارف الموقع الحالي خلال سنوات قليلة، لتتكرر ذات المشكلة وما ينسحب عليها من هدر مالي لمعالجة الأزمة في حينه». وأكد ل «عكاظ» مصدر مسؤول في أمانة جدة أن الأمانة ومن منطلق مسؤولياتها ترصد احتياجات الأحياء وتعمل على تلبيتها وفق الإمكانيات المتاحة، مشيرا إلى أن الأمانة ومنذ كارثة سيول جدة نفذت برنامجا طموحا عالج كثيرا من أوجه النقص المتمثلة في السفلتة والرصف والإنارة، إضافة إلى النظافة. وأوضح المصدر أن الأمانة ماضية في تنفيذ مراحل أخرى من البرنامج ستساعد المواطنين في التغلب على بعض المشكلات التي تواجههم جراء نقص بعض الخدمات.