ذهلت، ولم أصب بهذا الحجم من الذهول من قبل، حين قرأت في (العربية نت) تقريرا صحافيا عن أسعار الببغوات في سوق الطيور في الرياض. فقد ذكر التقرير أن باعة الطيور ركبوا موجة (أسلمة) المنتجات لمداعبة أو دغدغة مشاعر المتسوقين المساكين ليشفطوا من جيوبهم آلاف الريالات. الببغاء، (الإسلامي) طبعا، يتراوح سعره بين 12 ألف ريال ليصل ويتجاوز أحيانا ال20 ألف ريال! شرط أن يكون (الببغاء) حافظا لكتاب الله الكريم، ويزيد سعره مع ازدياد حفظه وإجادته، وما يميزه أكثر عن بقية الحفظة من الببغوات هو تأديته للآذان والإقامة وبعض الأدعية المأثورة. عجبا، هل وصلت ظاهرة الاستغلال الرخيص للدين إلى هذا المستوى؟ والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل نحن بالفعل مجتمع عاطفي لهذه الدرجة التي يمكن أن توصف بالساذجة؟ هل باستطاعة أي بائع، من دون الحاجة إلى الكثير من الحذاقة، أن يضحك على ذقون الناس ويقنعهم بأن منتجه الذي يعرضه عليهم متوافق مواصفاته مع الشريعة الإسلامية؟ وهل هذه الطريقة التي تعدت البنوك ووصلت حتى إلى لعب الأطفال وملابس البحر، ولا ننسى الدجاج، واليوم ابن عمه الببغاء! ومنتجات أخرى كثيرة تشهد حالة زيادة بمبيعاتها في السعودية؟ هل هذا لأن منا من يحرص على أن يكون متدينا ملتزما حتى عندما يشتري المواد الاستهلاكية أو الكمالية؟ فهل وصف أي منتجات بالإسلامية يعني أن المنتجات المنافسة لها فيها إشكال ديني إذا اشتراها أحدنا!. قواعد التسويق أصبحت واضحة ولا تحتاج لشرح طويل عن جودة السلعة أو أهميتها، ولا تحتاج أيضا إلى أن يبح صوت البائعين في المناداة والإعلان، كل ما عليهم إظهار الوجه أو الطابع الإسلامي للمنتج وربط اقتنائه بالعبادات أو المنهيات أو المستحبات، مع قليل من علامات الصلاح على وجه البائع وسيجني التاجر ربحا كبيرا. سيقنع بائع الطيور بعض المتدينين -وهم السواد الأعظم في مجتمعنا- إذا قال إن هذا الببغاء الصالح سيعينك على الطاعة بالآيات التي سيرددها على مسامعك، وسيقنع من اتبع الرخص وحلل لنفسه الغناء إذا قال له إن هذا الببغاء «وسيع الصدر» يحفظ أغنية «صبوحة خطبها نصيب» أو «يا اللومي يا اللومي» وأبيات من الشعر الشعبي. أذكر أن مدير شركة تسويق ناجحة من عرب الشمال المعروفين بالمهارات التسويقية قال في مجلس جمعنا إنه تعب كثيرا في إقناع رجل أعمال كبير ملتزم دينيا لأهمية الإعلان في تسويق منتجات شركته، وهو الذي لم يكن لا يرى في الإعلان أية فائدة، وفي نهاية جولات الإقناع توصل إلى المفتاح السحري، قال المسوق لرجل الأعمال: لماذا لا تأخذ الدين الإسلامي أسلوب الحياة؟ قال رجل الأعمال: كيف تقول ذلك وأنا أجتهد للوصول إلى هذا. قال له المسوق: متى تذهب إلى الصلاة يا شيخنا؟ أجاب الشيخ: إذا أذن، قال: الآذان يعني إعلانا عن الصلاة، فلماذا لا تعلن أنت عن منتجاتك. وتمت الصفقة المليونية باسم الدين. الدين أسمى وأرفع من هذا الاستغلال التجاري الرخيص، ومن واجب الجهات الحكومية المسؤولة التحرك لإبقاء الدين بعيدا عن استغلاله ومسخه في العروض والإعلانات. [email protected]