سقطت مراكز القوى الكروية التقليدية مبكرا، كفرنسا وإنجلترا وإيطاليا في دوري المجموعات، ثم تبعتها في ذات السقوط البرازيل والأرجنتين، مما يعني أن مونديال جنوب أفريقيا، أعاد رسم خارطة كرة القدم العالمية، وفق مفاهيم جديدة بعيدا عن المزاج العام ومعطيات التاريخ، فالتاريخ تخلى عن لعب دوره المعتاد، في البقاء والرحيل، وكم كنت أتمنى لو سجل اللاعب الغاني أسامواه ضربة الجزاء التاريخية التي احتسبت لفريقه في الدقائق الأخيرة، وكذلك كنت أتمنى لو أن الحكم الغواتيمالي ومساعده الهندوراسي أنصفا البراغواي أمام أسبانيا، ليكتمل مشهد ترتيب التغيرات المثيرة في هذا المونديال المثير.. قبل أسبوعين ومع قرب نهاية دوري المجموعات، أشدت بألمانيا وفريقها المدهش، الذي جاء إلى جنوب القارة السمراء، بثقافة ألمانية جديدة حتى على الألمان أنفسهم، وهذه الإشادة ليست اكتشافا، فالمتابع العادي لاحظ أن ألمانيا قد جاءت إلى المونديال الجنوب أفريقي بفلسفة كروية جديدة، هي مزيج من الميكنة الألمانية الشهيرة، والمتعة اللاتينية، فقدمت ذاتها وكأنها اكتشاف جديد في لعب كرة القدم، وكنت قد تخوفت من نقص الخبرة على هذا الفريق الألماني الممتع، ولكن يبدو أن تخوفي لم يكن في مكانه، فها هي ألمانيا بفريقها الشاب، تطيح بالإنجليز وتتبعهم بالأرجنتين التي كانت البطل المتوج على الورق.. الآن لم يتبق في مضمار السباق نحو التاج المونديالي إلا ثلاثة فرق أوروبية هي ألمانيا وهولندا وإسبانيا مع حامل لواء أمريكا اللاتينية الأرجواي، الإسبان بالرغم من ترسانة النجوم في قائمة منتخبهم لم يقدموا ما يقنع المتابع ببقائهم، وقد يخرجون من دوري الأربعة خصوصا أنهم سيقابلون فريق ألمانيا المثير، وهولندا ستقابل الأرجواي ولا أحد يستطيع أن يتكهن بمن يغادر ومن يصعد إلى سقف العالم الكروي.. كمتابع لا يهمني من يصعد ومن يغادر، ولكني من مثل المغرمين بالجمال الكروي، أتمنى أن ينتصر من ينتصر لجمال الأداء، لأن هذا الانتصار ربما يعيد لنا الزمن الكروي الجميل، الذي قتلته الخطط الدفاعية العقيمة، حتى وإن حملت من يتبناها ذات يوم لحمل الكأس المونديالي، خصوصا أن الفرق الأربعة المتبقية في مضمار السباق، تحمل ذات التوجه نحو جمال الأداء، فإسبانيا لديها النجوم التي لم تسطع بعد، وهولندا منذ زمن طويل وهي ذات فلسفة كروية خاصة، وألمانيا جاءت لهذا المونديال بفلسفة كروية جديدة، تجمع خصائص القارة الأوروبية والنكهة اللاتينية، بينما تبقى الأرجواي الممثل الوحيد للعزف اللاتيني الشجي.. مونديال جنوب أفريقيا، خلق لنا عالما جديدا في كرة القدم، فقط دعونا ننتظر دوري الأربعة وما يسفر عنه، لنرى ملامح العالم الكروي الجديد، الذي أعاد صياغة مفاهيم كرة القدم بعيدا عن التاريخ وإملاءاته، وعن سطوة مراكز القوى التقليدية، التي تساقطت واحدة بعد الأخرى.