في الوقت الذي كان ينتظر فيه المتعاطفون مع القارة السمراء أن تعيد فرقها الكبيرة على الأقل تقليص المسافة التي تفصل كرتها عن الكرة الأوروبية، غادر من دوري المجموعات منتخبا الكاميرون ونيجيريا، ويبدو أن المنتخب المضيف يستعد للمغادرة، فيما غانا وساحل العاج ما زالا في ميدان المنافسة، ومنتخبنا العربي المنتخب الجزائري ليس بحال أفضل، بعد أن انشغل لاعبوه في المباراة الأولى بقصات الشعر والأقراط، مما عرضهم للنقد والسخرية، فانصرفوا عن هذه الشكليات إلى كرة القدم فقدموا أمام الإنجليز مباراة محترمة، وأخشى أن تكون صدمة الاستعراض الشكلي قد جاءت متأخرة. مشكلة المنتخبات الأفريقية ليست في غياب النجوم أو تواضع الخبرة، ولكن في غياب وحدة الفريق، الذي يوحي وكأن الشعور القومي مفقود، فالفردية وخدمة الذات كانتا السمة الطاغية على فرق القارة، التي ظهر لاعبوها وكأنهم يدخلون المباريات بهواجس العقود، بدلا عن المشاعر القومية المتأججة، مما زرع الإحباط بين مواطنيهم والمتعاطفين معهم من منطلقات إنسانية صرفة، لا علاقة للعرق والدين أو للتاريخ والجغرافيا بها.. منتخبات شرق الأرض، التي ذهبت إلى جنوب أفريقيا بلا توقعات تسبقها، قدمت ذاتها بصورة مرضية، بالرغم من بعدها عن التجارب الاحترافية المتقدمة، فها هي منتخبات اليابان والكوريتين وأستراليا تقدم أداء متطورا يتميز بالانضباطية العالية والروح الجماعية، التي تدل على أن منتخبات الشرق قادمة، إن لم تذهب لذات الضياع الذي ذهبت إليه فرق القارة السمراء.. أوربا هي الأخرى سقطت فيها زعامات كروية تاريخية، كفرنسا وإنجلترا، وإن كانت ألمانيا وهولندا ومنتخبات شرق القارة الباردة ما زالت تحفظ للقارة العجوز قيمتها الكروية، والتي أعتقد أنها لن تحملها لليلة التتويج الكبير، فالمنتخب الهولندي، ليس بذلك الفريق المتمرس على النهائيات، ومنتخب ألمانيا بالرغم من جمال الأداء إلا أنه يفتقد الخبرة المعينة له للذهاب إلى البعيد، وإن كنت أتمنى أن يتوج هذا الفريق الشاب بمركز متقدم، انتصارا لجمال كرة القدم ليس إلا.. منتخبات أمريكا الجنوبية هي الوحيدة التي ما زالت محتفظة برهاناتها وعروضها المرضية، سواء أكانت منتخباتها التقليدية كالبرازيل والأرجنتين، أو المنتخبات التي تلعب عادة دور أرنب السباق، كالأروجواي والبارجواي، أو الهندوراس وتشيلي والمكسيك، ولدي توقع خاص أن البطولة لن تذهب عن منتخبات هذه القارة، التي ترتكز ثقافتها على كرة القدم.. كم تمنيت أن منتخبات القارة السمراء قدمت ذاتها بصورة مبهرة، خصوصا المنتخبات التي تملك خبرة المشاركة في نزالات نهائيات كأس العالم، ولكن الأمنيات تبقى مشاعر إنسانية لا تصنع كرة قدم، وإلا لو كانت تصنع ذلك لتمنيت صقورنا الخضر، في هذا المحفل العالمي الكبير، الذي اكتفينا فيه بظهور حكمنا الدولي خليل جلال، الذي أتمنى له أن يواصل مشوار الصعود مع الفرق الكبيرة لسقف المونديال الجنوب أفريقي.