لا يجادل عاقلان في أن الهدف الرئيسي من التعليم وتخريج الكوادر العلمية هو ترجمة ذلك العلم وممارسته عمليا بمايعود على المجتمع بالفائدة، في شتى المجالات والميادين.. وعلى خلفية ذلك يصح السؤال:- هل تحقق هذا الهدف المنشود؟.. لنطرح السؤال بصيغة أخرى :- هل ما تضخه الجامعات من خريجين وأخص الكوادر العلمية قد حققوا المبتغى ؟. الجواب لدى سوق العمل وما ينضوي في ذلك الإطار من منظومات متعددة ومتنوعة. لا أقصد بطبيعة الحال تمييع الإجابة وتوزيع المسؤولية هنا وهناك فلدي الشجاعة الكافية والموضوعية للقول بأن الكثير ولا أقول الأغلبية لم ينخرطوا في العمل ومعتركه بالشكل الصحيح المطلوب، الأمر الذي أدى لعرقلة الكثير منهم، أو حتى إخفاقهم، والمحصلة عدم الاستفادة القصوى أو لنقل المفترضة مما لدى هؤلاء من خزين علمي، فضلا عن ما يسببه ذلك الإخفاق من إحباطات وخيبات أمل تنعكس بالضرورة سلبا على المجتمع (ليس هذا مجال الخوض فيها ). وذلك يجرنا لسؤال مشروع هو: من المسؤول عن ذلك التعثر والإخفاق ؟.. بصراحة ودون تردد تتحمل الجامعات والمعاهد العلمية والفنية الجزء الأكبر من المسؤولية لكونها لم تؤهلهم تأهيلا عمليا. وقبل أن يقاطعني أحد (المعنيين) أقول: لا أقصد التدريب الميداني وتلقين المعلومات الإدارية كالأنظمة واللوائح واستراتيجية الإنتاج وغيرها من مفاهيم إدارية محضة، فتبقى تلك مجرد أطر ومفاهيم عريضة لا تلامس مناخ العمل وطرائق التكييف مع متغيراته، وإن شئت طقوسه. غاية المقصد ومحور موضوعنا أن يشرع بتدريس مواد ومقررات تعنى بالعلاقات الإنسانية وتحديدا علم الاجتماع العمالي وعلم الاجتماعي الصناعي، دون أن نغفل علم النفس الاجتماعي. وأخص الكليات والمعاهد (العلمية) على أن تكثف قبل التخرج.. والحقيقة لا يسعنا في هذه العجالة التحدث عن المقصود بهذا الجانب وأهميته، لكن باختصار هو لناحية تأهيل الكوادر للتجانس والتماهي مع جو العمل كتقبل الرؤساء وجعل الرؤساء يتقبلونهم وكيفية التعامل والتفاعل معهم، وينسحب ذلك بطبيعة الحال مع زملاء العمل والمراجعين (فن السلوك والاستجابة) والقدرة على تبادل المعلومات والمعرفة بأريحية. والغاية هي تطبيق ما لدى الخريجين من علم وبسطه على أرض الواقع وبأعلى درجاته وبكلمة أوضح توظيفه بما يخدم مصلحة العمل وليس ذلك فحسب فهذا المعطى أو التوجه سينمي لديهم جانب التطلع المعلوماتي والمعرفي ومن جملته أو بمقتضاه القناعة التامة بضرورة اكتساب القدرات لأن ما لديهم من علم (وهذا مؤكد) لا جدوى منه دون أن ترافقه الخبرة، بل تنصهر به إن جاز التعبير.. وهذا يعني فيما يعني تفعيل مهارة التعامل مع الزملاء بلا استثناء وإن كانوا أقل درجة علمية أو أدنى مرتبة وظيفية، فالتواضع وترشيد السلوك والانفتاح على الآخرين، والاستزادة العلمية والعملية، من أهم مقومات النجاح. كل ذلك وغيره الكثير يندرج في إطار العلاقات الإنسانية ومهارة الاتصال داخل منظومات العمل أو ما يعرف اصطلاحا «بثقافة التكيف». ومن دون هذه الآلية لا يمكن أن يحقق الخريجون النجاح في حياتهم العملية بالشكل المرجو، ولن يستفيد المجتمع من علمهم ولا هم حققوا ما يطمحون إليه. وقبل أن نختم لا يمكننا أن نغفل دور المديرين لأنه يعتبر دورا مكملا للقطاعات التعليمية. ويكمن الدور في توفير الأرضية الممهدة لجهة الكوادر ومساعدتهم على التكيف مع جو العمل والاندماج مع الزملاء بسهولة وانسياب. وهذه الميكنة تتطلب أكثر ما تتطلب من المديرين أن يضعوا نصب أعينهم أن هؤلاء الكوادر العلمية بحاجة لصقل واكتساب خبرات، وبمعنى من المعاني ألا يعولوا عليهم كثيرا لمجرد أنهم حصلوا على درجة علمية بقطع النظر عن ارتقاء الدرجة وندرتها، وأن يتفهموا جيدا أن هؤلاء الكوادر لا زالوا في طور المرحلة العملية.. ملخص القول يجب الاستفادة بأكبر كم من الحصيلة العلمية لهؤلاء الكوادر وبالتوازي إكسابهم أكبر قدر من الخبرات، وبذلك نكون قد حققنا الفائدة المبتغاة من الصرح التعليمي. وتبقى كلمة جوهرية.. يجب أن يكون المديرون قد سبقوا هؤلاء الخريجين بالإلمام جيدا بهذا العلم، ومقتضياته.. واستطرادا على يقين بموجباته لجهة منظومات العمل، وإلا تصبح كل تلك التدابير والمجهودات طحنا في الهواء. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة