شكلت كارثة السيول التي اجتاحت جدة في الثامن من ذي الحجة في العام الماضي، منعطفاً مهماً في مفهوم العمل التطوعي لدى المجتمع، كونها أبرزت الجهود الكبيرة والطاقات الذاتية التي تمتلكها شريحة كبيرة من شابات وشباب المملكة. وتكونت في فترة قياسية فرق تطوع في مدن المملكة الكبرى في الدمام، الخبر، القطيف، والرياض ولدت روحاً جديدة للمواطنة. وللحق فإن التحرك الذي كان نابعه الأول الشعور بالمسؤولية الاجتماعية فاجأ الجميع، على اعتبار أن الفتيات والفتيان الذين قادوا العمل التطوعي لم يكونوا تحت لواء أية جهة، بل أن المكان الذي خصصوه من أجل التخطيط للحملات، انطلق من العالم الافتراضي وتحديداً موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» فوصلت الدعوة للجامعات، المدارس المنازل فانخرطت الطالبات والنساء مع الطلاب والرجال في مشهد إنساني مهيب أزال كل الفوارق. بداية الفكرة والانطلاق تمخضت الفكرة من قبل المشرف العام على الفرق الشبابية التطوعية التابعة للندوة العالمية للسباب الإسلامي مصطفى خرد، فالبرغم من وجود أعداد كبيرة من الشباب المتطوعين الذين نذروا أنفسهم لعمل الخير منذ سنوات عديدة، إلا أن هذه الكارثة كانت بمثابة المحك الرئيس لتفعيل طاقاتهم الكامنة، رغم أنهم في الأصل يحملون في دواخلهم حب الخير وحب العمل التطوعي، فبدأت رسالة «الفيس بوك» تتداول بشكل كبير بين الأوساط الشبابية، فلاقت الفكرة استحساناً كبيراً، وتم تسجيل أكبر قدر ممكن من المتطوعات والمتطوعين، ليتم بعد ذلك جمعهم على الأرض وتوزيع المهمات والمسؤوليات، ومن ثم الانطلاق إلى ميدان العمل. التشكيك في جدية المتطوعين رغم أن أحاديث وأقاويل كثيرة كانت تهدف إلى التقليل من العزم إلا أن الواقع الذي سجلته فرق التطوع كان بمثابة التحدي، فبعض المراقبين رأوا أن الشباب المشاركين لم يكن دافعهم في المشاركة تقديم العون والمساعدة، بل كان هدفهم حب الظهور الإعلامي، وتضييع وقت الفراغ فقط، إلا أن الواقع أتى بغير ذلك تماماً، وهنا يشير المتطوع عكرمة مدني أن دافع الأعمال التطوعية هو كسب الأجر ومساعدة محتاجين كانوا في أمس الحاجة للوقوف معهم والمشاركات والمشاركين كانت لديهم العزيمة والإصرار وحب التضحية لتقديم المساعدة. توحيد الجهات الخيرية مع وصول العمل التطوعي في كارثة جدة إلى ذروته، كان لابد من توحيد الأعمال التطوعية وتوحيد الفرق المشاركة تحت مظلة واحدة، حيث صدرت التوجيهات بتوحيد العمل التطوعي، فكان هناك نحو 13 جهة خيرية وتطوعية تشارك في كارثة جدة، تشرف عليها محافظة جدة فيها أكثر من 5 آلاف متطوعة ومتطوع، ومن جميع الفئات العمرية انبثقت منها بعد ذلك أكثر من 25 فرقة تطوعية، حيث سجل عمر أصغر متطوعة سبع سنوات، فيما سجلت أكبر متطوعة بعمر 85 عاماً، وتنوعت أعمال الفرق التطوعية بين البحث عن المفقودين والمنكوبين، وبين فرق تبحث عن الأسر التي أصبحت لا تمتلك منزلا، وفرق للمساعدات العاجلة، حصر المتضررين لتدوين أسمائهم ومعلوماتهم وتقديمها للجهات ذات العلاقة.