تستطيع أن تؤكد بكل ثقة بأن المشاريع التنموية والطموحات النهضوية لأي مجتمع لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب، أو تغييب نصف المجتمع عن المشاركة في عملية البناء والمساهمة في الجهد التنموي، الذي يحتاج إلى حشد كافة طاقات المجتمع وقواه البشرية. وحين تؤكد الإحصائيات بأن 87 في المائة من خريجات جامعاتنا عاطلات رغم حاجة سوق العمل إلى مشاركتهن، فإن هذا ببساطة يعني بأننا نستفيد فقط من مشاركة 13 في المائة من حجم الطاقات النسوية، رغم ما صرفته الدولة من أموال طائلة في سبيل تعليمهن عبر مختلف المراحل، وتستطيع بحسبة بسيطة أن تقدر حجم الخسارة التي تلحق بإيقاع حركة مجتمعنا النهضوية الشاملة، ما يدعوك إلى التساؤل: هل فتح المزيد من الجامعات والكليات النسوية، رغم كثرتها، وعطالة خريجات ما هو قائم منها هو غاية لذاته ؟ وما هو الهدف منها إذا كانت خريجاتها يكتفين بتعليق شهادات التخرج على حوائط غرفهن، ولا يجدن الفرصة لدخول سوق العمل التي تحتاجهن، ولا يشاركن في حركة التنمية التي يبذل ولاة الأمر كل غال ونفيس لتحقيقها ؟!. أعرف، مثلما يعرف الجميع أن بعض الأعراف والعادات الخاطئة والدخيلة على مجتمعنا تحول دون هذه المشاركة المطلوبة والواجبة، وليس أدل على أنها دخيلة ونتجت عن أسباب تاريخية معروفة، من أن المرأة في أصل مجتمعنا كانت عضوا فاعلا في حياة الأسرة الاقتصادية والاجتماعية، حيث كانت تمارس الرعي والزراعة والاحتطاب بل وتشارك في تشييد المنزل سواء كان خيمة أو بيتا من الطين والقش وتستقبل الضيوف وتقوم بواجب الضيافة وكرمها. كما نعرف جميعنا أيضا بأن بعض الذين يروجون لمفاهيم وأفكار متصلبة ومتطرفة باسم الدين، وديننا منها براء، يقفون سدا منيعا في وجه حركة مجتمعنا الذي ينطلق نحو آفاق التطور والتقدم بخطى عملاقة ومدروسة تحت قيادة خادم الحرمين الذي أطلق مشروعه الإصلاحي الطموح مخصصا أكبر الميزانيات في تاريخ المملكة من أجل تحقيقه، رغم أن كل الدلائل تؤكد عمل بعض أمهات المؤمنين بالتجارة والحرفيات، بل وخروج بعضهن في غزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. إلا أن بعضنا هداهم الله يريد أن يبتدع أمورا تعتبر من الثوابت في سيرة النبي الكريم، لدرجة جعلت الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم يشير في اختتام اللقاء التاسع عشر لقادة العمل التربوي وهو يتحدث إلى الإعلاميين في مدينة الخبر الأسبوع المنصرم يشير إلى أن الوزارة لديها الكوادر النسائية التي يمكن الاعتماد عليها لتتولى مناصب إدارية عليا في قطاع التعليم العام، وهذه حقيقة لا شك فيها، فهذا البلد يعج بكفاءات شهدت لبعضها أكبر وأعرق الجامعات ومراكز الأبحاث في العالم، ولذا لا يسعك سوى أن تدهش حين يعقب نائب الوزير فيصل بن معمر على حديث الوزير مؤكدا بأن ذلك لا يعني الاختلاط، مشيرا إلى أن صحافيين ومواقع الكترونية تضع الأمور في غير سياقها عند الحديث عن تولي المرأة للمناصب القيادية العليا في الوزارة، قائلا: «يجب أن تكون الأمور واضحة في هذا الجانب». ولك أن تسأل: لماذا هذا الحرص على نفي الاختلاط وهو شيء معروف سلفا في هذا المجتمع ؟. ألا يدلك هذا على أن هناك من يريد أن يضع العراقيل أمام مشاركة المرأة في حركة المجتمع، مغيبا بذلك دورها الفاعل والحيوي؟.. على كل حال أقترح أن يتم تنظيم دورات تدريبية للخريجات تؤهلهن لاقتحام سوق العمل، وهذا موضوع يحتاج إلى وقفة متأنية. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة