في مجتمعنا الموسوم ب «المحافظ» تتزايد يوما بعد يوم ظاهرة «هروب الفتيات» من أسرهن. ورغم أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لهذه الظاهرة إلا أن كل المختصين متفقون على أن الظاهرة في تزايد مستمر. إحصائية وزارة الداخلية لعام 1426/1427 ه تظهر أن هناك 1334 فتاة هاربة و850 فتاة لعام 1427/1428 ه، إلا أن الدكتور خليل بن عبد الله الخليل عضو مجلس الشورى السابق وعضو لجنة العلاقات الإنسانية الإسلامية قد صرح لوكالة أنباء (ميديا لاين) بأن «بعض التقارير تذكر أن حوالى ثلاثة آلاف امرأة وفتاة يهربن من منازل أسرهن سنويا، وذلك لأسباب مختلفة». وهو ذات الرقم الذي ذكرته «عكاظ» في 28/11/2007. أما الدكتور خالد محمد باحاذق المختص النفسي في المنظمة العالمية للأسرة المسلمة فيقول محذرا «كنا نستقبل (فتاة هاربة) بمعدل حالة واحدة في الشهر، أما الآن أصبحنا نستقبل أكثر من 10 حالات شهريا». وأظن أن الإحصاءات المتوافرة لا تشكل إلا قمة جبل الجليد الذي ما زالت قاعدته العريضة مخفية تحت سطح بحر «المحافظة». وهنا، يتم الحديث عن الهاربات فعلا من منازلهن، لكن الهاربات «معنويا» من منازلهن، وذلك عبر الانعزال في غرفهن والدخول إلى عالم «المحادثات» عبر الإنترنت وعبر مشاهدة الأفلام الإباحية وعبر الجوال فهن أكثر بكثير جدا من الأرقام التي نتحدث عنها. السؤال المطروح هنا هو: هل مجتمعنا وقوانيننا الصارمة والتشدد والمحافظة وتقييد حرية المرأة أدت إلى تقليص أم تفاقم هذه الظاهرة؟ هل منع الاختلاط والمنع من العمل وتقييده في مجالات محددة وفرض الوصاية الذكورية على المرأة قد عالج هذه الظاهرة أم هو أحد إن لم يكن أهم مسبباتها؟ تقول فاطمة العسيري الاختصاصية النفسية في مركز الإشراف النسوي في إدارة الشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية حسب اليوم 29/5/2010: إن مشكلة هروب الفتاة من منزل ذويها، خاصة ممن بلغن سن 18 حتى سن 30 قد تزايدت في الآونة الاخيرة في أوساط الفتيات، موضحة أن «أسباب ذلك تعود إلى عنف أفراد الأسرة وممارستهم ضغوطات نفسية على الفتاة داخل البيت، ومنها إجبارها على التقيد بالعادات والتقاليد.. بقصد إرغامها على الانصياع للأوامر، لذا تجد الهروب هو طوق النجاة لها والحماية لها من هذه المشاكل». وتقول بثينة الدوسري الاختصاصية الاجتماعية في أحد مراكز تأهيل الفتيات في نفس العدد من «اليوم»: «الحرمان المادي ومشكلة الفقر بين أهم العوامل المؤثرة والمشجعة على هروب الفتيات وكذلك تفضيل الشاب على الفتاة داخل الأسرة». وأعتقد أن مرض الشيزوفرينيا والازدواجية والنفاق الاجتماعي هي من ينتج ويفاقم هذه الظاهرة. المجتمع أو لنقل المتنفذين فيه والذين يفرضون قوانينهم على المجتمع يحرمون الاختلاط الظاهر للعيان والمراقب اجتماعيا، بينما لا يوجد بيت في بلادنا لا يوجد فيه اختلاط، فالنساء يختلطن بالسائقين والرجال بالعاملات المنزليات وكأن السائقين ليسوا رجالا و«الخادمات» لسن نساء!! ومع ذلك تخرج الفتوى تلو الفتوى لتحريم وتجريم وتكفير من يبيح الاختلاط!! من ناحية أخرى، يذكر لنا الاختصاصيون أن الفقر والمعاناة المادية والفراغ أسباب لبروز هذه الظاهرة ومع ذلك يقف «حراس الفضيلة» ضد عمل المرأة حتى في بيع مستلزماتها وملابسها الخاصة!!. وترتفع الأسوار حفاظا على «الفضيلة» والشرف بينما تؤكد الإحصاءات حسب سلمى العالي في ذات عدد اليوم أن تحرش الأقارب يصل إلى ما نسبته 70 في المائة من جميع أنواع التحرش سواء بالملامسة أو الاغتصاب.. ويمكن التطرق إلى مئات القصص الواقعية للهاربات التي تدمي القلب قبل العين للمآسي التي يواجهنها في منازلهن وما لم يعرف بعد فهو أعظم، وقد نسمع ونقرأ يوما قصصا أشبه بالخيالية من السائقين الذين هم عادة من جنسيات أخرى عما يجري داخل الأسوار. خلاصة القول، إن مجتمعنا يكاد يصل إلى مرحلة حرجة نتيجة فرض العادات والتقاليد البالية والازدواجية المقيتة وذهنية التحريم والتجريم والتكفير، وكل مجتمع يجب حتى يعالج المشاكل التي تواجهه من خلال الاعتراف بوجود تلك المشكلات وتحليلها وطرح السؤال الأساسي المتمثل في توجيه النقد للوضع الذي يفرخ الانحلال الإخلاقي بالضرورة. في الثلاثين سنة الماضية، عاش مجتمعنا بأشد ما تكون عليه «المحافظة»، فهل زادت الجريمة أم قلت؟ هل زاد الانحلال الأخلاقي أم قل؟ هل زاد عدد الهاربات من منازلهن أم قل؟ وهل؟ وهل؟ والتي كلها تعطي مؤشرات سلبية. إذا، علينا وبالذات في عهد الإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين أن نعيد النظر في جملة المنهج المتبع الذي لم يخلف سوى التقهقر والانحلال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة