ذكرتني الأمسية الشعرية التي أقامها نادي الجسرة الثقافي في الدوحة، يوم الخميس الماضي، للشاعرين بسام علواني، ومحمود الباتع، بمصاحبة الفنان الموسيقي التونسي فتحي بيوض، بأيام بعيدة كان فيها الشعر نجما دائما ومتألقا، ويحظى بجمهور عريض، يتزاحم حتى ينال مقعدا، ويرخي أذنا للاستماع. وربما لأول مرة في السنوات الأخيرة، أحس بفرحة الشعر، التي كانت مرسومة على وجهي الشاعرين وهما يشاهدان ذلك الجمهور الذي كان بعضه محبا حقيقيا للشعر، وبعضه جاء مدفوعا بفضول أو نتيجة حرص اجتماعي، لكن النتيجة واحدة، هي أن الأمسية كانت حاشدة جدا، وفتحت جسرا جديدا للتذوق الجديد، وأكيد أن من استمع، سيسعى للاستماع مرة أخرى، وفي أمسيات أخرى، مما يعد مكسبا حقيقيا للشعر. القصائد التي ألقيت من قبل الشاعرين، وبمصاحبة عزف عود مغرد من فتحي بيوض، كانت رائعة، ليست خطابية صرفة، ولا ممعنة في الغموض، مما وسع دائرة التفاعل معها، وعند جمهور ليس متخصصا، ودائما ما أقول إن مصيبتنا في الشعر، في السنوات الأخيرة، هي أننا قاتلناه بضراوة، وبأدوات اشتققناها منه، شوهنا وجهه حتى غدا وجها منفرا، تفر من لقياه العيون التي تقرأ، ومن صوته الآذان التي تستمع، وقد كان محمود درويش - رحمه الله-، واحدا من العظماء الذين حافظوا للشعر على كرامته، برغم أنهم ألبسوه ثيابا جديدة، كان وجه الشعر واضحا وسط تلك الثياب، وصوته جهوريا وآمرا، يشدنا شدا إلى متابعته، وكذا سار آخرون على نهج درويش، لكن غالبية ما يكتب هذه الأيام، خاصة شعر الشباب، من ذلك النوع الذي اندحر حين ناصبناه العداء. بالنسبة للشاعرين اللذين احتفت بهما تلك الأمسية، فأنا أعتبرهما من سادة الشعر الجميل، فبسام علواني برغم أنه ظلم كثيرا، فهو صاحب تجربة كبيرة، ورقم مهم في مسيرة الشعر العربي، ولطالما طربت وطرب غيري بقصائده ذات الصور البديعة، والمخيلة الكثيفة، واستطاع بجدارة أن يوازن بين جمهور يقرأ، وجمهور يستمع، وجاد بقصائد استحقت الإعجاب. محمود الباتع الذي كتبت عن ديوانه الأول على ضفاف الوجع الصادر حديثا، وقلت إن الديوان إضافة حقيقية للمكتبة الشعرية، يبدو أنه عرف ما يريده من الشعر، وما يريد الشعر منه، هو انتهج نهج الغزل الرصين، وذاب في صور العشق كلها، وأتوقع بعد نجاح ديوانه في اجتذاب القراء، ونجاح صوته في تلك الأمسية، أن يظل ممسكا بجذوة الشعر، ويتحفنا بأعمال أخرى أكثر جنونا، وأعمق بعدا. تحية للشاعرين، وصاحب العود المغرد، وتحية دائمة لنادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، الذي يواصل رسالته الكبيرة بوصفه داعما كبيرا للثقافة، في بلد يعشق الثقافة، ويفرد لها أجنحته لتحلق. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة